مفاتيح الخزائن.. حين تُجاور الأسماء الحسنى

بقلم الدكتور : فارس  أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية


في زمنٍ تزداد فيه الهموم وتتزاحم المطالب
، وتتقطع الأسباب، ويفتش الناس عن باب فرجٍ مفتوح.. ننسى أن أقرب طريق، وأوسع باب، وأغنى خزينة.. إنما هي بين أيدينا، نُسيت في الزحام: الأسماء الحسنى!

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]
هي أمرٌ إلهي ودعوة سماوية أن نتوسل إلى الله بأسمائه.. لا لتعدادها فقط، بل لصحبة معانيها.

فهل جرّبت أن تُجالس ربك بأسمائه؟

هل دعوته يومًا لا بلسان الحاجة فقط، بل بلسان المحبة واليقين، ناطقًا بـ: “يا كريم”، “يا رحيم”، “يا فتّاح”، “يا جبّار”، مستغرقًا في معانيها حتى انفتح لك ما خفي؟ إنها ليست ألفاظًا تُردد، بل مفاتيح تُدير بها أقفالَ قدرك، وتُوقظ بها روحك النائمة في زوايا اليأس.

الأسماء الحسنى ليست معلقةً في السماء، بل هي طريقك إلى السماء، مَددك في الأرض، ونورك في الظلمة، ومَعراجك حين تُثقل الخطى.

حين تطرق باب “الفتّاح” ينفتح لك ما أغلق، وعندما تلجأ إلى “الرزّاق” يتراءى لك رزقٌ من حيث لا تحتسب،  {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا • وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
[الطلاق: 2–3]
وإذا ناجيت “اللطيف” رأيت لطفًا في أشدّ أقدارك قسوة.

 اجعلني بك يا الله!

هذا النداء وحده يكفي.. “اجعلني بك لا بي، اجعلني باسمك لا بضعفي، اجعلني بفضلك لا بأسبابي”.. هنا يبدأ التحول من الحول والقوة إلى مقام العبودية الحقة، حيث كل اسم من أسماء الله يحمل سِرًا، وكل سر يحمل لك بابًا، وكل باب يوصلك إلى العطاء الذي يُرضي.

{قُلِ ٱدْعُوا ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ} [الإسراء: 110]

الله لا يُخطئ في عطاء، ولا يُنقص في قدر، ولا يُعجِزه سؤال، بل قال في محكم كتابه:
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى: 5]

ولكن.. هل عرفته بأسمائه لتدرك تلك العطية؟

عد إلى مفاتيحك!

لا تبحث بعيدًا.. لا تطرق الأبواب الموصدة، فقد أودع الله في أسمائه مفاتيح كل ما تتمنى.

من ضلّ الطريق فليُجاور “الهادي”:
{وَيَهْدِيٓ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27]

ومن أحاطته الذنوب فليُناجِ “الغفّار”:
{نَبِّئْ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الحجر: 49]

ومن ضاقت عليه الأرض فليدعُ “الواسع”:
{إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]

ومن اشتدّ عليه البلاء فليُناجِ “الرحمن الرحيم”:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]

الأسماء الحسنى ليست فقط وسيلة للنداء، بل وسيلة للفهم.. كلما عرفت اسمًا، فهمت قدرك، وارتقيت في مقامك.

وقد أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة” [رواه البخاري ومسلم]

ومن أعظم ما يُحيي القلوب أن تُلزم نفسك بها ليلًا ونهارًا، تذكرها في سجودك، وتُرددها في خلوتك، وتُنادي بها في ضيقتك.

بُنيّ.. الطريق يطول دونها:

يا بُنيّ.. من أراد الله فليبدأ بأسمائه.
هي الزاد للسالكين، والسكينة للخائفين، والبداية لكل تائب.
من عَرف “السلام” عاش بسلام، ومن عَرف “الحق” لم يضل، ومن عَرف “النور” خرج من الظلمة إلى النور.

{ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ} [النور: 35]

تفقد الليلة غيابك عنها.. كم أنقصك؟!

كثير من معضلاتنا ليست في قلة الأسباب، بل في غياب المعاني..
ولو أنصفنا لأدركنا أن الفرج في القرب، والراحة في المجاورة، والحلول في الأسماء.

 الختام: من الأسماء تولد البدايات:

فلتجعل الليلة بداية لجوار جديد.. خذ لك اسمًا من أسماء الله، وابدأ رحلة الفهم والدعاء والتعلق.
سِر بها إلى قلبك، وناجِ بها في خلوتك، وسترى العجب:

{قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ}
[الأنعام: 91]

تُفتح لك كنوزٌ مخفية، وتُحلّ لك عقدٌ معقودة، ويولد فيك من المعاني ما لم تتخيله.

فالزم الأسماء الحسنى.. يولد لك معنى، ويمنحك الله بها ما ترضى.

اترك تعليقاً