لماذا قبّل عدّاس يد النبى ﷺ؟

بقلم الشيخ / احمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

لماذا قبّل عدّاس يد النبى ﷺ؟
وفي ظل هذه الأزمات يعلمنا الرسول ﷺ سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى والأمل والثقة في الله فنراه ﷺ يتوجه لربه بالدعاء (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) [ابن هشام – السيرة النبوية، وإسناده حسن مرسل، ورواه ابن سعد في الطبقات مختصرًا، والبيهقي في الدلائل، وأحمد في المسند، والسيوطي في الجامع الصغير وعزاه للطبراني وحسنه]

وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد:
١- في طريق عودته من الطائف وعند حائط ابني ربيعة التقى بعداس النصراني فأسلم. ولنا مع هذا المشهد -الذي لم يتجاوز الدقائق المعدودات- وقفة؛

تقول كتب السيرة النبوية: إن النبي ﷺ لمّا اشتد عليه أذى قريش ذهب إلى الطائف علّه يجد أرضًا جديدة صالحة لدعوته، ولكنه وجد أن الكفر كله ملة واحدة، لا فرق بينه فى مكة أو غيرها فسلّطوا عليه السفهاء والعبيد فأخذوا يقذفونه بالحجارة حتى سالت الدماء الطاهرة من قدميه الشريفتين على الأرض حتى احتمى بحائط أى بستان لعتبه وشيبه ابنى ربيعة فأرسلوا إليه بقطفٍ من عنبٍ مع غلامٍ لهم يُقال له عدّاس فلما أعطى عداسُ القطف للنبي ﷺ
قال النبى ﷺ: بسم الله
فقال عدّاس: هذا الكلام لا يقوله أهل هذه البلاد!
فقال له النبى ﷺ: من أى البلاد أنت يا عدّاس؟
فقال: نينوى
فقال النبى ﷺ: بلد العبد الصالح يونس بن متّى
فقال عدّاس: وما أدراك ما يونس بن متّى؟
فقال النبى ﷺ: ذاك أخى هو نبى وأنا نبى
فأكبّ عدّاس على يد وقدم النبى ﷺ يقبلها
هذا هو ما حدث بين النبى ﷺ وبين عدّاس

مشهدٌ لم يستغرق من الزمن سوى دقائق ولكن كان لها عميق الأثر ترى ما الذى حدث فى هذه الدقائق وما هى سر هذه القبلة من أول لقاء؟

تعالوا معنا نعيد قراءة المشهد مرة أخرى لنرى

إنسانٌ يطارده صبية وعبيد ويقذفونه بالحجارة وتسيل منه الدماء من أجل الدعوة ورغم كل ذلك يظل متمسك بها
ولا يخجل من إظهار شعائر دينه حتى ولو كان فى مكانٍ يحاربه، ولا يعرف ولا يريد أن يعرف عنها شيئًا،
وهذا هو ما يجب عليك أن لا تخجل من إظهار شعائر دينك حتى ولو كان من حولك سيسخر أو يستهزئ بك أو لا يقدرها
إنك قد تجذب انتباه واحترام الآخرين بتمسكك بهذه الطريقة
ولا تتعجب فقد تكون الهداية فى كلمة عابرة أو تصرف سليم
سبب فى إقبال البعض عليك والسؤال عن الإسلام
وهكذا انتشر الإسلام فى أرجاء العالم كله وكان من سماحة وحسن خلق التجار فى إقبال الناس عليهم وسؤالهم
فكانت الإجابة كلمة واحدة هى الإسلام
فبدأوا فى السؤال والتعرف على الإسلام ومن ثم اعتناقه
لا تخجل من إظهار شعائر دينك
لا تخجل من أن تحمد الله بعد العطاس، وبعد كل عمل
لا تخجل من أن تبدأ كل عمل ببسم الله
لا تخجل من أن تضع يدك على فمك عند التثاؤب
لا تخجل من أن تظهر سنة وهدى النبى ﷺ فى كل أمورك لعل الله يهدى بك وتكون سبب فى نشر السنة
#بدأ النبى ﷺ فى التعرف على من يحدثه وتعرف على اسمه
ثم سأله عن بلده قائلاً: ومن أى البلاد أنت يا عدّاس؟
انظر إلى هذا الكلام اللطيف والأدب الجم من النبى ﷺ
فبعد أن تعرف على اسمه طلب التعرف على بلدته
وانظر كيف استخدم النبى الاسم “يا عدّاس”
كثير من الناس يتجاهل هذا الهدى النبوي
لا يتعرف على من يتحدث معه
لا يستخدم الاسم فى الحديث
بل يتحدث متجاهلًا إياه
أو يطلب منه التذكير بالاسم مرة أخرى
أو يخطأ فى نطق الاسم
أو يسخر من الاسم
ولم يحدث أى شئ من هذا ألبته من النبى ﷺ بل حفظ الاسم من أول مرة واستخدمه فى الحوار

وبعد أن عرف منه اسم بلدته ، لم يُظهِر عدم معرفته بها
أو يحاول التعرف على مكانها على الخريطة ، أو يسخر أو يتفكه على اسم البلدة بل أظهر النبى ﷺ معرفته بها
أظهر علمه بمشاهير هذه البلدة
واختار أفضل شخص فى هذه البلدة وضرب به المثل،
وتحدث عنه بكل أدب واحترام فقال:
“بلد العبد الصالح يونس بن متّى”
قد تلتقى مع شخصٍ ما وتتعرف منه على بلده
فتظهر احتقارك وازدرائك لها أو
تقول إنها بلد مشهورة بتجار المخدرات أو بالنصابين أو …. فتُثير اشمئزازه منك وزهده فيك
ولكن حينما تتحدث عنها بكل احترام وتذكر أفاضلها وتثنى عليهم وتذكر جميل فعالهم وحسن سيرتهم
فإنك تكسب ودّ واحترام الآخرين
وهذا هو ما فعله النبى ﷺ
فأثار ذلك اهتمام عدّاس لعلمه بوثنية وشرك أهل المنطقة وعدم علمهم بأمر النبوات شيئًا
فقال له: وما أدراك ما يونس بن متّى؟
فمرة أخرى يتحدث النبى ﷺ بكل احترام ويختار كلمة رقيقة رقراقة ويقول: “ذاك أخى هو نبى وأنا نبى”

قل لى بالله عليك أخى المسلم من كان بمثل هذا الأدب الجم ألا يستحق أن نُقبّل يديه ورجليه؟

اترك تعليقاً