بقلم : الداعية الأزهري ومعلم القرآن الكريم الشيخ أحمد صقر
الحمد لله تعالى القائل في كتابه العزيز {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الاحزاب72
والصلاة والسلام على اشرف وأصدق خلق الله اجمعين الذي قال أدوا عني يرحمكم الله وبعد :
وبعد كل ما قدمه النبي صلى الله عليه وسلم من تضحيات كما هو معلوم ، حتى وصل إلينا الأمر بيانا واضحا بلا شك ، وتبعه على هذا أكابر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ، ومات في سبيل هذا الأمر خير الناس ، وتفرقوا في البلاد ، يجودون من أموالهم وأقواتهم ، وأوقاتهم ، تاركين أُسرهم وأوطانهم ، بل ضحوا بالعيش والتعبد بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم والبيت الحرام .
مجاهدين يغزون الدنيا بدينهم حاملين على أعتاقهم سُبل الهداية ، يُعلمون الناس الخير ويُعبِّدونهم في الله ، ويُخرجونهم من ظلمات الكفر والشرك والظلم الى أنوار الإسلام الساطعة ، ولتشرق شمسه على العالم .
ثم ياتي شرذمة من المسلمين ،ممن غطّى الكبر والجحود عين بصيرتهم،، أنفسهم ليصدوا عن إتباع الحق ، وذلك لأنهم ينسلخون عن الدين يطلبون الدنيا ويتكالبون عليها تكالب الوحوش بالبرية ، بل ويصدون من أراد ان يسلك مسلك النبوة ، ويتهمونهم بالتخلف والرجعية والتبديع ومنهم من يدعون كذبا وبهتانا أنهم وحدهم أهل العلم والناجون ، وكل من خالفهم او كل مخالف لأهوائهم إما مبتدع او مشكوك في عقيدته بل أحياناً يرمون أهل القبلة بالشركية والزندقة.
والعجيب كل العجب أصبح عندهم حب آل البيت الكرام رضي الله عنهم من التهم التي يرمون بها المحبين لآل البيت في عقيدتهم ، وكأن الجهود المبذولة منذ فجر الإسلام لم تكفي ، وأنهم أصح رأيًا من جميع علماء الأمة منذ الصحابة والتابعين الى يوم الناس هذا ، فهم وحدهم أهل الحكمة والرأي ، ضاربين بهذا جهود علماء الأمة عرض الحائط ، فكانوا كالسوس الذي ينخر في جذع الأمة حتى انقسمت الأمة .
بل هم أنفسهم انقسموا على أنفسهم مما جعل العامة من الناس يتشككون ، فسهل عليهم التفريط في كثير من أُمور دينهم بل وخرج من جسد الأمة من يشكك في اصول دينها ، فاصبح من العادي ان تجد التبرج والسفور وموت الحياء ، وأطفال شوارع فأصبح من العادي ان تجد الأندية وأماكن الترف واللعب واللهو والملاعب تتصدع لكثرة روادها ، في حين أن المساجد شبه فارغة من زوارها وعمارها ، اصبح أئمة المساجد وخطابها يؤدون ما عليهم كواجب يستحل به راتبه ، إلا من رحم ، بل تجد بعضا منهم عند يوم عطلته الرسمية لا يدخل المسجد اصلا ، والسؤال هنا
كيف يعود الدين الكامل في حياتنا ومجتمعاتنا ؟؟!
أظن أنه تبدأ من إحياء القلوب في قوالبها ، لتحيا الأجساد وتستيقظ النفوس ، حينها يقبل الإنسان كلمة التوحيد فيفهم حقيقتها التي تُكَسِّر أصنام القلب وشهوات النفس والبدن ، فيبدا المسلم بتغيير نفسه ويعرف ما عليه من واجبات فيؤديها كما ينبغي ، فيعرف المسؤولية التي وُكِّلت إليه ، وِكالة طبيعية كمسؤولية رب أسرة فيعولها ويغرس فيها حقيقة التوحيد بأخلاقياته وسلوكياته المشرقة المشرفة ، أو وِكالة أُسندت إليه كالمسؤول أو المدير أو نحوه ، فيباشر الواجب الذي عليه من رعاية من تحته ، وتوجيههم التوجيه الذي يليق بقدر المسؤولية التي وِكِّل بها وإعطاء كلٍ حقه ومستحقه .
ومن هنا تظهر الصورة الحقيقية للاسلام وتتهيأ الارض الخصبة لتقبل الأوامر والنوهي بكل حب وهمة ، وتزدهر الحياة وتختفي الجرائم وكل سلوك منبوذ .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” متفق عليه.