بالأمس ذهبتُ مع أحد الأحباب الأفاضل لصلاة الجمعة، فدخلنا والإمام على المنبر يخطب.
وعند المالكية تُحرَّم صلاة النافلة والإمام يخطب، وأنا مالكي المذهب، فجلستُ لسماع الخطبة بعد أن حددنا موضع جلوسنا.
أما صاحبي فـ شافعي، وعندهم تصح النافلة ولو كان الإمام يخطب، فقام يصلي وأنا جالس بجواره.
ولكل مذهبٍ دليله واجتهاده، وليس هذا معرض تفصيله.
الشاهد من هذا:
أن أصحاب الفكر المستنير عقولهم تتقبل الاختلاف، وتؤمن بالرأي والرأي الآخر،
أما أصحاب العقول الضيقة المتحجرة الذين يظنون أن ما هم عليه هو الإسلام والحق المطلق، فهؤلاء لا يمكن أن تتسع صدورهم لقبول المخالف.
ونحن في الأزهر الشريف حين ندرس الفقه أو العقيدة، نعرض المسائل بمذاهبها المتعددة: السليمة والمنحرفة، ثم نستدل لكل رأي، وننقد ما خالف الدليل، ثم نبني على ذلك أدلة مذهبنا ومعتمدنا، فلا نترك الطالب حائرًا.
وفائدة هذا العرض الشامل للآراء أنه يُكسب الطالب قوة نظر، ومرانًا على النقد المنصف، وأدبًا في الحوار.
أما إذا تعود على سماع رأي واحد ضاق صدره بغيره، وظن أن من خالفه فقد خالف الإسلام، فيبدّع تارة، ويكفّر أخرى، وربما يصل به الغلو إلى القتل — عياذًا بالله.
أفرأيتَ يا أخي الحبيب؟
ذلك الموقف البسيط لم يكن مجرد تصرفٍ عابر، بل هو تعبيرٌ عن منهجٍ مستنيرٍ يعلّمنا كيف نعيش اختلافنا بأدبٍ ورحمة.