سقوط العمامة وارتفاع القبعة: حكاية أمة استبدلت العلماء بالمهرجين
7 نوفمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )
لأولي الألباب.
#زمن_الفتن
مكرر منذ عام 2019
واقع مؤسف : لن تفلح الأمة إلا إذا قادها العلماء
إنّ الأمة التي تخلع عمامتها لتلبس قبعة الجهل، وتستبدل بالعلماء مهرجي الشاشات، وتستمع لرويبضة يلوك الكلام كما تلوك الماشية العشب، لهي أمة قد استبدلت النجوم بالسراب، والمحراب بالمسرح، والقدوة بالفضيحة
إنها مأساة العقل قبل أن تكون مأساة الواقع، وضلال البصيرة قبل أن يكون ضلال الطريق.
لقد أصبحت الأمة تمشي خلف كل ناعق، وتهتف لكل صائح، وتقدس كل من ظهر على الشاشة، ولو كان في باطنه خواء كفراغ الطبل، لا علم فيه ولا أدب ولا ورع.
لن تنهض هذه الأمة إلا إذا قادها العلماء الربانيون الذين يخافون الله قبل أن يخافوا السلطان، ويطلبون وجهه قبل وجه الناس.
أما إذا تركت زمامها للعواطف، أو سلمت مصيرها إلى الساسة والجهلة، فستسقط القدوة، وتضيع الهيبة، وتغدو الأمة كالغنم الشاردة في الليلة الباردة.
ولقد علم أعداء الأمة أن إسقاط القدوة هو نصف المعركة، وأن النصر لا ينال بمدافعهم، بل بإفساد ضمائرنا ونزع ثقتنا بعلمائنا.
فإذا صار العالم متهما، والجاهل مكرّما، كان سقوط الأمة حتما لا ريب فيه.
إنّ التاريخ لم يسجل نصرا للمسلمين إلا حينما تصدر العلماء والفقهاء الصفوف.
ألم تروا إلى سلطان العلماء العز بن عبدالسلام كيف كان يخيف الملوك بكلمة؟
وكيف كان نور الدين زنكي حاكم حلب لا يرى النصر إلا في دعاء العلماء؟
فقد قيل له يوما: لو قطعت العطاء عن الفقهاء وفقراء #الصوفية وأعطيته للجنود لكان أصلح، فغضب وقال:
«إني لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صِلاتِ قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا بسهام قد تصيب وقد تخطئ؟!»
وكذلك قال موسى بن نصير حين رأى في جيشه العالم الولي الصالح محمد بن واسع يدعو:
«لأصبعه التي يرفعها إلى السماء أحبّ إليّ من ألف سيف».
ذلك هو الإيمان الذي أقام أمة، وذلك هو العلم الذي حمى الدين.
أما اليوم، فقد صار الممثل والراقص واليوتيوبر هم “القدوة”، وصار العالم مغمورا في داره، يسخر منه الجاهل ويُهاجَم من المتفلسف. سقطت القدوة، فاختل الميزان، وصار الرويبضة يتكلم باسم الأمة، ويكتب الدساتير بجهل مركّب من الغفلة والغرور.
لقد رضينا لأنفسنا بالدنيّة، وصرنا غرباء في أرضنا، كأننا هنود حمر في وطن سُلب منا باسم الحرية والديمقراطية.
وليس العجب أن يطعن الأعداء فينا، بل العجب أن يخرج من بيننا من يقول إنّا محتلّون في بلادنا، وإن تاريخنا باطل، وتراثنا وهم!
تاهت الأمة كما تاه بنو إسرائيل، لأنهم عصوا أنبياءهم، ونحن عصينا علماءنا، فابتلانا الله بتيهٍ أشد من تيههم، نعيش غرباء بين إخوتنا، ويُهان العلم في ديار الإسلام.
لقد كان التعليم في الكتاتيب مدرسة روح قبل أن يكون مدرسة علم، يُعلّم التواضع قبل الحروف، ويُهذّب الأخلاق قبل العقول.
ومن تلك الكتاتيب خرج الفقهاء والمفسرون والأطباء والفلكيون، لأنهم تعلّموا أن العلم عبادة، لا مهنة.
أما اليوم، فمناهجنا تصنع شهادات لا رجالا، ومهندسين لا مفكرين، وأطباء لا رحماء.
إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم حراس الدين من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، وقد روى الإمام مسلم اثرا عن الإمام محمد بن سيرين رضي الله عنه:
«يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».
وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه:
«إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله وليّ».
وقال الإمام الشافعي:
«إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله وليّ».
فهل بعد هذا نستخف بالعلماء، ونستبدل بهم المهرجين؟
إن الأمة لا تهلك إلا إذا هلك علماؤها، ولا تُحرم النصر إلا إذا أهانت أولياءها.
قال سعيد بن جبير:
«علامة هلاك الناس: إذا هلك علماؤهم».
فيا أيها الغافلون، أفيقوا قبل أن تصبحوا كما قال الله في بني إسرائيل:
{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ}.
إنها ليست قضية دستور ولا سياسة ولا وطن ضائع؛
إنها قضية عقل ضل وقلب قسا ولسان استهان بأهل العلم.
فمن أراد للأمة حياة فليحي في نفسه إجلال العلماء، ومن أراد لها نصرا فليُعد للعلم محرابه، وللأدب مكانته، وللخلق قدسيته.
فبالعلماء تنتصر الأمة، وبإهانتهم تبدأ نهايتها.