«أنوار سورة الكهف وأسرار قراءتها في يوم الجمعة

بقلم الشيخ : حمدي علي الجهيني ـ مسؤل ادارت المساجد بمديرية أوقاف القاهره كبير أئمة بإدارة السيدة زينب

توطئة:
أنزل الله تعالى كتابه تبياناً لكل شيء، ونوراً مبيناً، فيه موعظة وشفاء ورحمة، وأمر الأمة بتدبر آياته وعظاته فقال تعالى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ولذلك يجب على المسلم أن يغترف من خير وعطاء وطاقة هذا الكتاب العظيم يومياً.

وقد جعل الله لقراءة القُرآنِ مع تدبره فضل كَبير، وخَصَّ بَعضَ السُّوَرِ والآياتِ بمَزيدِ فَضلٍ، وخاصَّةً إذا قُرِئتْ في وَقتٍ مُعيَّنٍ؛ ومن السور العظيمة التى حث النبي  على قراءتها كل يوم جمعة، وقراءتها في وجه الدجال؛ سورة الكهف، لما في هذه السورة من قصص عظيمة وعبرة لمن يعتبر في كل عصر، كما سنبين .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، عُصم من فتنة الدجال ” أخرجه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم، عن أبي الدرداء رضى الله عنه .

وعن أبي الدرداء رضى الله عنه أيضا قال: قال صلى الله عليه وسلم:” من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصم من فتنة الدجال ” أخرجه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم .

وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف، عُصم من فتنة الدجال “. أخرجه الترمذي، وصححه. وفي رواية« ذَكَرَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الدَّجَّالَ الغداةَ، فقال: فمَن رآهُ منكُم، فليقرَأْ علَيهِ فواتحَ سورةِ الكَهْفِ » صحيح ابن ماجه . وفى رواية« غيرُ الدجالِ أخوفُني عليكُم، فمَنْ أدْرَكَهُ منكم، فلْيَقْرَأْ علَيْهِ فواتِحَ سورةِ الكهْفِ » صحيح الجامع . وفى رواية« يا أَيُّها الناسُ، إنها لم تكن فتنةٌ على وجهِ الأرضِ، منذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَّةَ آدمَ أَعْظَمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ، فنارُه جنةٌ، وجنتُه نارٌ، فمَن ابتُلِيَ بنارِه فلْيَسْتَغِثْ باللهِ، ولْيَقْرَأْ فواتِحَ الكهف » صحيح الجامع .

وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ الكهف يوم الجمعة، فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال، عُصم منه “.

ومجموع الروايات فيها أن(من حفظ) أو(من قرأ)عشر آيات، وفي بعض الروايات خمس، وفي بعضها ثلاث، وفي بعضها قراءة كامل السورة كما أنزلت، وفي بعضها أن العشر من أولها، وفي أخرى أنها من آخرها، وفي بعضها أن من رأى الدجال فليقرأ عليه فواتح السورة. والجمع بين هذه الروايات لا يتأتى إلا بحفظ سورة الكهف كاملة، فالأكمل أن يحفظ المسلم سورة الكهف كاملة؛ ليصدق عليه أنه قرأ عشر آيات من أولها ومن آخرها وقوارعها كما أنزلت .

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم مزية أخرى عظيمة لقراءتها؛ علاوة على ما سبق؛ فقد أخرج الطبراني في الأوسط، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي، والضياء، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ سورة الكهف، كانت له نورًا من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها، ثم خرج الدجال، لم يضره “.

وأخرج الحاكم، وصححه، من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين”. وأخرج ابن مردويه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين “.

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض، ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه، بعثه الله من أي الليل شاء؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: سورة أصحاب الكهف “.

وأخرج ابن مردويه، عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” البيت الذي تقرأ فيه سورة الكهف، لا يدخله شيطان تلك الليلة “.

ومن خلال هذه الأحاديث المتكاثرة جدا كما رأينا؛ نعلم أن قراءة سورة الكهف مأمور بها ومستحبة لكل مسلم يقرأها في المسجد أو في غيره بصوت منخفض أو مرتفع ما لم يترتب على رفع الصوت إيذاء لمن حوله. وتَبدَأُ لَيلةُ الجُمُعةِ مِن غُروبِ شَمسِ يَومِ الخَميسِ، ويَنتَهي يَومُ الجُمُعةِ بغُروبِ الشَّمسِ. فللعلماء وجهان في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة: فمنهم من يقول: تقرأ في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة لأن الليل تابع للنهار. ومنهم من يقول: لا تكون قراءتها إلا في النهار بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا أحوط. واستحب بعض العلماء المبادرة بقراءتها أول النهار قبل الجمعة، ولا حرج لو قرأها بعد صلاة الجمعة أو بعد العصر. وهذا النُّورُ يَقذِفُه اللهُ في قَلبِ القارِئِ، أو في بَصَرِه، أو بَصيرَتِه، أو في كُلِّ أحوالِه، أو هو نُورٌ يَصعَدُ له مع أعمالِه إلى السَّماءِ، أو تُشاهِدُه المَلائِكةُ، أو يَسطَعُ له في الآخِرةِ نُورٌ، زيادةً على غَيرِه يَومَ القيامةِ، ويَظَلُّ هذا النُّورُ بهذا المَعنى طُوالَ الأُسبوعِ مِنَ الجُمُعةِ إلى الجُمُعةِ.

ولكن لماذا شرعت قراءة الكهف يوم الجمعة؟ وما علاقتها بفتنة الدجال؟ وما الذي تهدي إليه موضوعات وقصص هذه السورة الكريمة؟.

نقول: هناك مناسبة كبيرة بين الأمرين، فيوم الجمعة هو يوم قيام الساعة كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي من أشراطها الكبرى ظهور الفتن وعلى رأسها خروج الدجال، كما أن السورة ذكرت في نهايتها، نهاية الدنيا بخروج يأجوج ومأجوج الذين هم من علامات الساعة الكبرى، ففي هذه السورة تنويه بقرب وقوع الفتن وقيام الساعة وتذكير بالاستعداد لها وعدم الاغترار بالدنيا. وأما العلاقة بين سورة الكهف والعصمة من فتنة الدجال؟ فقد قال القاضي عياض والقرطبي والمناوي وغيرهم: لما في سورة الكهف من العجائب والآيات المانعة لمن تأملها وتدبرها حق التدبر من متابعة الدجال والاغترار بتلبيسه. وقيل: إن هذا من خصائص الله تعالى لمن قرأ أو حفظ ما ذكر من سورة الكهف…وقيل غير ذلك.

أما من الناحية الأخرى : فمفتاح الجواب الأشمل عن هذه الأسئلة هو معرفة مقصد سورة الكهف؛ أي: المعنى الإجمالي أوالمحور الذي تدورعليه موضوعات السورة.

ويمكن الكشف عن مقصد السورة بعدة أمور منها: النظرة الكلية للسورة، وشدة التأمل فيها وفي افتتاحيتها، والربط بين افتتاحية السور وخاتمتها، ومراعاة الألفاظ والحروف المتكررة في السورة، والنظر في موضوعاتها والربط بينها، ومعرفة الأحوال التي نزلت فيها وتدبر معى مايلى:

سورة الكهف سورة مكية تضمنت أربع قصص، يجمعها معنى واحد وهو الفتنة وأسباب النجاة منها. ومن الملاحظ أن اسم السورة، الكهف، يناسب مقصودها, فمقصود الكهفُ سترُ ووقاية من بداخله من الريح والمطر والشمس وغيرها, ومقصود هذه السورة الوقاية من الفتن المختلفة.

الفتنة الأولى: فتنة الدين في قصة أهل الكهف، قال تعالى:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا(9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا(10) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا(12) نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى(13) وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَاْ مِن دُونِهِۦٓ إِلَٰهٗاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَآ إِذٗا شَطَطًا(14) هَٰٓؤُلَآءِ قَوۡمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ لَّوۡلَا يَأۡتُونَ عَلَيۡهِم بِسُلۡطَٰنِۭ بَيِّنٖۖ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا(15)…..الآيات.

إنهم فتية شباب آمنوا بربهم في أناس مشركين، وعلموا حق الله تعالى في قوم جاهلين؛ فكان ذلك سببا لفتنتهم في دينهم، فلم يستسلموا لقومهم، ولم يتبعوهم في ضلالهم، بل أعلنوا توحيدهم لله تعالى، كما أعلنوا براءتهم مما يعبد قومهم، وشاء الله أن يكرمهم ويجعلهم معجزة لمن خلفهم، وأنزل سورة كاملة تحمل اسم(الكهف) تكريماً لهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ولكنهم كانوا يعيشون في بلدة ليست فيها حرية على الإطلاق، خاصة الحرية الدينية، فإذا كانت هناك حرية دينية لما لجأوا للكهف من الأساس، ويبدو إن كل المجتمع كان مقهورا ومظلوما ومستبدا به ولا يستطيع أن ينطق بكلمة. وبالطبع فإن كبار السن والمترفين لا يهمهم تغيير الوضع لأنهم تعودوا على هذا الظلم والذل طيلة حياتهم. فصرحوا بالإيمان الذي يجيش في نفوسهم بكل شجاعة. يريدون التغيير وإسقاط النظام المشرك. ولأن الحريات مكبوتة، وحكامهم يمارسون التسلط الديني، فالطغاة الظلمة لن يتركوهم بحريتهم ليثيروا الناس ويخرجوا عن دين السلطان أو الطاغية. ومثلها اليوم الفتنة في الدين، يوم تحرم المسلمة من الوظيفة لأنها ترتدي الحجاب، ويوم أن يحارب العلماء والدعاة ويسخر منهم في الصحافة والتلفاز لأنهم يدعون إلى الطهر والفضيلة، ويوم أن يسحق البشر في فلسطين بالإرهاب لأنهم لم يخنعوا للمحتل الذي غصب أرضهم وسرق ديارهم….. الخ.

ثم أتبعوا القول بالعمل فتبرءوا من المشركين واعتزلوهم، وآووا إلى الكهف فراراً بدينهم رغم علمهم إنهم سيعذبوا وربما يرجموا ويقتلوا لم يستسلموا ويخنعوا بل ربطوا علي قلوبهم ولجأوا لكهف حتى تستتب الأمور(وَإِذِ ٱعۡتَزَلۡتُمُوهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ فَأۡوُۥٓاْ إِلَى ٱلۡكَهۡفِ يَنشُرۡ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَيُهَيِّئۡ لَكُم مِّنۡ أَمۡرِكُم مِّرۡفَقٗا(16) وبهذه الرحمة المنشورة من الرحمن الرحيم صار الكهفُ الضيق المظلم أوسعَ من المدينة الفسيحة،فإن كهفاً مليء بالإيمان بالغيب،واليقين بالرب،والربط على القلب،أفسح وأوسع وأرحب من المدينة الواسعة الرحيبة إذا غطاها ظلام الكفر،وعتمة البدع والخرافات. يعقبه برد الإيمان، وانشراح الصدر، وسعة اليقين، وتلك حياة المؤمنين..كما تمثلها ابن تيمية حينما أغلقت عليه أبواب السجن،فتلا قول الله تعالى:(فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ(13) الحديد. وقال: ماذا يصنع أعدائي بي، أنا جنتي في صدري، فسجني خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة. فكان جزاؤهم في الدنيا تلك الكرامة العظيمة بنومتهم في الكهف ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا، ونجاتهم من الكفار وكيدهم،(وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا(17). فكان لله تعالى تدبير آخر ليؤكد لهم إنه في عون العباد مادام إنهم على حق لا يخشون في الله لومة لائم حتى وإن كان كل المجتمع والسلطة ضدهم. فقد برهن لهم الله تعالى إن وعد الله في التغيير لحق وجعلهم برهان للناس جميعا.

وحين استيقظوا بعد 309 عاما وجدوا القرية مؤمنة بكاملها. وتقودنا معاني الآيات إلى اكتشاف معجزة عددية! وهذا ما نجده في قصة أصحاب الكهف، فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات. والقصة تبدأ بقوله تعالى:(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً* فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً* ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً……)الكهف: 9-12. وتنتهي عند قوله تعالى:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً* قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)الكهف:25-26. ولو تأملنا النص القرآني منذ بداية القصة وحتى نهايتها، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة (لبثوا) في الآية12. وتنتهي بالكلمة ذاتها، أي كلمة (لبثوا) في الآية 26. والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات(مع عد واو العطف كلمة)،اعتباراً من كلمة (لبثوا) الأولى وحتى كلمة (لبثوا) الأخيرة، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمة بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف!!!

والذي يؤكد صدق هذه المعجزة وأنها ليست مصادفة هو أن عبارة(ثلاث مئة) في هذه القصة جاء رقمها300 فعلا، وإن هذا التطابق المذهل بين عدد كلمات النص وبين العدد 309 يدل على سلامة النص القرآني، فلو حدث تحريف لاختل عدد الكلمات واختفت المعجزة، إذاً هذا التطابق العددي دليل على أن القرآن لم يحرّف كما يدعي الملحدون. ولو قمنا من ناحية أخرى بالمقارنة بين التقويم القمري والتقويم الشمسي نجد أن السنة القمرية أقصر من السنة الشمسية بحدود 3%، وعلى هذا الأساس نجد أن 300 سنة شمسية تساوي بالتمام والكمال 309 سنة قمرية(300× 0.03 = 9 سنوات)،وهنا نرى لمحة إعجازية في قوله تعالى:(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) وكأن المولى تبارك وتعالى يريد أن يعطينا إشارة رائعة إلى الفارق بين التقويمين وهو 0.03 وهذه النسبة لم يكن لمحمد صلى الله عليه وسلم علم بها،ولكن الله أودعها في كتابه لتُضاف إلى معجزات هذه السورة العظيمة.

ثم تشير الآيات إلى أسباب النجاة من فتنة الدين، وهي الثبات على المبدأ، وملازمة الصحبة الصالحة، والوقوف مع الحق مهما كان أصحابه قلة، مع مجانبة أهل الغفلة والهوى،ولذلك قال الله بعدها( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا *وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا). وأن الإيمان لابد فيه من الجهاد بالوقوف مع الحق دائما وعدم الخشية في الله لومة لائم، حتى ولو لم ترى النتائج ملموسة فى الحين العاجل لأنها ستتحقق بالتأكيد في المستقبل الآجل ان شاء الله، فقد هدى الله أهل المدينة في فترة نوم الفتية الى الإيمان الحق. فأصحاب الكهف ليست قصة لضرب المثل بالنوم والخذلان والخنوع وإنما ضربت مثلا للإصرار والعزيمة والثبات للتغيير للأفضل.

ومن الأمور التي نود ذكرها كدليل على ضرورة فهم الدين من مصدره هو: لماذا ذكر الله تعالى الكلب مع أصحاب الكهف؟والجواب والله أعلم بمراده: ربما لإن الكلب حيوان أليف ورمز للوفاء والصحبة النافعة. وأن الله تعالى يعطينا عبرة بتعايش هؤلاء الصالحين حتى مع الحيوان ناهيك عن الإنسان. والكلب ولعابه عند الإمام مالك ليس بنجس، ويغسل الإناء الذي ولغ فيه للحديث الوارد، تعبدا عنده. وذهب بعضهم الى أن غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب وارد في الكلب غير المأذون فيه، أما الكلب المأذون فيه، وهو ما كان للصيد أو للحراسة أو للماشية؛ فإنه مخالط لصاحبه؛ فليس داخلاً في هذا الأمر. ومن المؤكد إن الملائكة كانت مع أصحاب الكهف تحرسهم وتحفهم برحمة الله .

وللحديث بقية ان شاء الله