من أهم أسباب تكفير الحضارة المصرية القديمة وأهلها عند أصحاب الفكر التكفيري زعمهم أن هذه الحضارة إنتاج فرعون المذكور في القرآن وقد رددنا على ذلك من القرآن نفسه في مقالات سابقة.
ومن أسبابهم المزعومة أيضاً إطلاق لفظ (إله وآلهة ومعبود) على بعض الآثار عند المصريين القدماء مما يدل بزعمهم أنها حضارة وثنية يجب تحطيمها كما يعتقدون، وإطلاق لفظ آلهة والإله على بعض الآثار لا يدل على العبادة، فليس الإله عندهم بمعنى المعبود من دون الله وإنما يُراد به المعظم أو المقدس أو الزعيم أو السلطان، والدليل على ذلك الكلام من عدة جهات:
1ـ أن عوامل الزمن التي تُغَيِّر في الصخر تؤثر وتُغَيِّر أيضاً في الكلمات نفسها مثال (مكة وبكة)، (طنتدا ثم تحولت إلى طنطا) (برعا ثم فرعا، ثم فرعون)، وبالتالي فالترجمة الحرفية للكلمات (إله وآلهة ومعبود) دون الرجوع إلى سياق الكلمة وبيئتها والمقصود منها تكون غير دقيقة وغير صحيحة؛ ولهذا يقول الله تعالى في مراعاة الاستخدام اللفظي ومقصود الكلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة: 104]، حيث أراد المشركون بـ راعنا: الرعونة والحماقة ـ حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ، وأراد الصحابة بـ (راعنا) الاهتمام والرعاية، فنهى القرآن عن اللفظة التي تحتمل معنيين أحدهما سيئ واستبدالها بلفظة لا تحتمل إلا معنى صحيحًا سليمًا، وهي (انظرنا).
2ـ أن المصري الذي صور كل تفاصيل الحياة بدقة تدهش العقول لم يصور سجود لصنم أو وثن، بل صور صورة سجلها القرآن الكريم ومدحهم بها وهي السجود على الأذقان لله رب العالمين، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}[الإسراء: 107]، كما أن أكثر هذه التماثيل نُحتت على جسم إنسان ورأس طير أو حيوان ليدل على معنى علمي أو حضاري أو سياسي وليس لعبادتها.
3ـ أننا كمسلمين بيننا اليوم مَن اسمه (عبد النبي وعبد الرسول وعبد المطلب)، فهل عبدوا النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة؟! بل أكثر من ذلك وجد مِن الصحابة أنفسهم مَن كان اسمه: عبد الجد، وعبد عمرو، وعبد عوف، وعبد قيس، وعبد يزيد، وعبد يا ليل، وعبد شمس، وعبد رضا. راجع: (أُسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر)، فهل كان هؤلاء الصحابة كفاراً وعباداً لغير الله بمجرد هذه الأسماء.
4ـ أن التوحيد في مصر موجود منذ فجر التاريخ، كما قال د/ وسيم رشيدي عالم المصريات: إن الأهرامات مكتوب على بعض أحجارها من الداخل بالهيروغليفية: “واحد أحد ليس له ثانٍ، موجود نفسي بنفسي، ليس مثلي أحد”، مما يدل على توحيدهم الخالص لله رب العالمين، وما ذكر من آلهة ومعبودات ليست بمعناها الحقيقي المعروف لله تعالى وحده, وفي تفصيل ذلك راجع: كتاب (قدماء المصريين أول المُوَحِّدين) وكتاب (المصريون القدماء أول الحنفاء).