تَعَلَّم قَبْلَ أنْ تَتَكلم

بقلم الدكتور :أحمد بدوى مازن مدرس الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر الشريف

على المسلم أن يتعلم أولًا قبل أن يتكلم ، فلقد أصبح كثير من الناس الآن يتكلمون في مسائل العلم دون أن يدرسوا علوم القرآن، وعلوم السنة، وأصول الفقه، ومذاهب الفقهاء، وأصول اللغة، وعلم البيان والبديع، ومعرفة كلام العرب. ليس هذا وفقط بل تجد منهم مَنْ يتطاول على العلماء، والأولياء، وقادة الإصلاح، دون أن يتعرفوا على سيرهم وتراجمهم، ومواقفهم، ومصنفاتهم، وجهادهم في سبيل الله، وفي سبيل نشر العلم.

فأصبح هؤلاء يحكمون وينتقدون ويتهجمون على العلماء والأولياء ليس لشيء من قواعد النقد وأصول العلم، بل لأنهم يُخضِعون النقد للمزاج العقلي والارتياح النفسي، أو لارضاء جماعة معينة تتعلق بها مصالحهم المادية، أو حبًا للوصول للشهرة وكثرة المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض يردد الكلام كالببغاء دون فهم ودراية.

وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث الترمذي:” لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا.”

وعَنْ إبراهيم التيمي، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سُئل عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ، فقال: أي سماء تظلني، أو أي أرض تقلّني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.

لقد وجدنا أيضا طبقة من هؤلاء الذين يتجرؤون على العلم والعلماء والأولياء يتهمون جمهور المسلمين وعامتهم بالضلال، والبدعة، وأن عامة المسلمين عادوا للشرك والكفر، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “«إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» قال الإمام السيوطي رحمه الله في تفسير السواد الأعظم : أي جماعة الناس ومعظمهم الذين يجتمعون على سلوك المنهج المستقيم. والحديث يدل على أنه ينبغي العمل بقول الجمهور.

إنَّ العلماء العاملون من سلف هذه الأمة وخلفها يتحرجون من عبارات التجريح والذم، بل تحرج منها أئمة الجرح والتعديل في تجريحهم لبعض رجال أسانيد السنة المطهرة وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: (أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام)

فيا عباد الله : لاتُسلموا عقولكم لك ناعق يتطاول على علمائنا والصالحين من عباد الله ، لا تُسلموا عقولكم لمن يُبدع الأمة ويُكفرها ويرمي الناس بالضلال والبهتان، وينسبون لأنفسهم وحدهم التمسك بالكتاب والسنة ، والطهر والعفاف، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (” إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ “) وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلِكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)

ويا عباد الله: لا تجعلوا مصدر معلوماتكم هو وسائل التواصل الاجتماعي وفقط، ولكن خذوا العلم عن أهله من العلماء الربانين، لا تسمعوا لمن يريد أن يمزق الأمة، لمن يتطاول على سلف الأمة وخلفها من كبار العلماء والصالحين.

يا عباد الله: لقد تربينا في مصر في أحضان كبار علماء الأزهر الشريف، تربينا على محبة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحب آله بيته الطيبين الطاهرين، تربينا في مصر على إحترام الكبير، وعلى العطف على الصغير، تربينا على الاحتفال بالمناسبات الدينية التي تجدد فينا الإيمان والحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما تربينا على الجفاء والغلظة وسوء الأدب مع العلماء والصالحين من عباد الله.

ورضي الله عن سيدنا علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه حينما قال:

مَا الْفَخر إِلَّا لأهل الْعلم إِنَّهُم … على الْهدى لمن استهدى أدلاء

وَقِيمَة الْمَرْء مَا قد كَانَ يُحسنهُ

والجاهلون لأهل الْعلم أَعدَاء

ففز بِعلم تعش حَيا بِهِ أبدا

فَالنَّاس موتى وَأهل الْعلم أَحيَاء

نعم الناس موتى وأهل العلم والمحبة أحياء.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين