السخرية والاستهزاء بالناس وما يورثه من ضغائن


بقلم الشيخ : جمال عبد الحميد ابراهيم

عضو لجنة صانعي السلام والمنظمة العالمية لخريجي الأزهر

من الصفات الذميمة التي تُورث الضغائن والأحقاد، السخرية من الناس، والاستهزاء بهم، والنظر إليهم بعين الإزدراء والإحتقار.

ولذا نهانا الله سبحانه وتعالى عن مثل هذه الصفات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) الحجرات.

– فالذي يسخر من الناس ويستهزئ بهم شخص فيه جاهلية، أي فيه خصلة من خصال الجاهلية، فها هو موسى بن عمران عليه السلام حينما أخبر بني إسرائيل أن الله يأمرهم بذبح بقرة، قالوا: أتتخذنا هزوًا – أي اتهزأ بنا وتسخر منا؟ – قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67].

وها هو أبو ذر- رضي الله عنه- يعير بلال بن رباح بأمه ويقول له يا ابن السوداء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرئ فيك جاهلية).

– والذي يسخر من الناس وينظر إليهم بعين الإزدراء والاحتقار شخص متكبر، يرى أنه أفضل من غيره، مع أن الله سبحانه وتعالى قيد الأفضلية بالتقوى، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات].

فليست الأفضلية بالمال ولا بالجاه ولا بالمناصب، إنما بالتقوى والعمل الصالح، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن عبد الله رضي الله عنه قال: مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«ما تقولون في هذا؟» قالوا: حري – أي جدير – إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يُشفع، وإن قال أن يُسمع ثم مرَّ رجل من فقراء المسلمين، فقال: «ما تقولون في هذا؟» قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع لا يشفع، وإن قال لا يُسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».

– فيا أخي الحبيب لا تسخر من الناس بسبب اشكالهم، ولا بسبب فقرهم، ولا بسبب وظائفهم، فالناس لا تقاس بالأموال ولا بالأشكال، ولا بالأحجام والأجسام، كلكم لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ ﴾ (الحجرات).

– البعض يسخر من فقر الآخرين وعدم قدرتهم المادية وينسى أن هذا الأمر بيد الخالق القادر على قلب الأوضاع في لمح البصر.

والبعض يسخر ليضحك الناس، وهو لا يدري أن هذا سببا لدخوله النار، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليُضحِك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا”.

– فإياكم والسخرية بالناس فإن الجزاء فيها من جنس العمل.

يقول ابن القيم رحمه الله: “ما من عبد يعيب على أخيه بذنب إلا ويبتلى به.”

فلا تراقب الناس ولا تتبع عوراتهم ولا تكشف سترهم، فمن تتبع عورات الناس وكشف سترهم تتبع الله عورته وكشف ستره وفضحه ولو في جوف بيته.

فاللهم اهْدنا لأحسن الأخلاق والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واهدنا لحُسن الكلام والتواضع واللين.