واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا
22 سبتمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، وهي آية عظيمة تحمل في طياتها سر بقاء الأمة وقوتها، فالوحدة هي السور الحامي، والانقسام هو الثغرة التي ينفذ منها الأعداء. إن حبل الله هو القرآن الكريم وسنة نبيه ﷺ، وهو العهد الجامع الذي يجمع الأمة على كلمة سواء، فلا مجال للفرقة ولا سبيل للتشرذم.
وعندما ننظر إلى واقعنا نجد أن أعداء الأمة، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، لم يكفوا يومًا عن محاولة زرع الفتن بين الشعوب العربية والإسلامية، بهدف تفتيت وحدتها وإضعافها من الداخل. فالتاريخ القريب والبعيد يؤكد أن هذا الكيان قام على الخداع، واستمر بفضل دسائس التفرقة، وبفضل استغلال انشغال الأمة بخلافاتها. لذلك كان الاعتصام بحبل الله ضرورة حتمية، لأنه ليس مجرد شعار ديني، بل استراتيجية وجودية تحفظ بقاء الأمة أمام العواصف.
إن مصر، بتاريخها وجغرافيتها ومكانتها، كانت ولا تزال حجر الزاوية في معادلة الصراع العربي الصهيوني. يدرك العدو تمامًا أن مصر هي الرقم الصعب، وأن جيشها هو العمود الفقري للأمة العربية، ولذلك لم يتوقف الكيان الصهيوني عن التحرش بمصر عبر حملات إعلامية مسمومة، أو مناورات سياسية مشبوهة، أو عبر محاولات اختراق بالوكالة في مناطق الحدود. كل ذلك يعكس الخوف العميق الذي يسكن عقل قادة هذا الكيان من أن مصر، باستعداداتها الراسخة، قادرة على قلب الموازين في أي لحظة.
والقوات المسلحة المصرية، التي حفرت في سجل التاريخ نصر أكتوبر العظيم، تواصل اليوم رفع جاهزيتها بكافة الأسلحة الحديثة والمناورات العسكرية، وتعمل على تطوير منظومات الردع في البر والبحر والجو. هذه الاستعدادات لا تخفى على العدو، بل ترعبه وتجعله في حالة ارتباك دائم، إذ يعلم أن أي مغامرة عدوانية ستكلفه ثمنًا باهظًا. هذا الخوف هو الذي يدفعه أحيانًا إلى تصعيد محدود، أو استفزازات محسوبة، في محاولة لاختبار رد الفعل المصري، لكنه في النهاية يعود أدراجه مدركًا أن مصر ليست ساحة سهلة ولا أرضًا رخوة يمكن العبث بها.
وليس الجيش وحده من يقف على أهبة الاستعداد، بل الشعب المصري كله يعي المخاطر المحيطة، ويقف كتلة واحدة خلف قيادته. هذا التلاحم بين الجيش والشعب، وهذه الروح الوطنية المشتعلة، هي التي تمنح مصر قوتها الحقيقية وتجعلها عصية على الكسر. وهنا يتحقق معنى الآية الكريمة، فالوحدة على حبل الله لا تعني فقط وحدة العقيدة، بل تعني أيضًا وحدة الهدف والمصير، حيث تتكامل القوة الروحية مع القوة العسكرية لتصنع حصنًا منيعًا في وجه المعتدين.
إن العدو الصهيوني، رغم ما يمتلكه من دعم غربي وإمكانات، يعيش هاجس الخوف من مصر، لأنه يعرف أن أي مواجهة مباشرة معها ستكون مختلفة تمامًا عن أي ساحة أخرى. ومهما حاول مناورات إعلامية أو ضغوط سياسية أو حتى تحرشات عسكرية محدودة، فإنه يدرك أن مصر تمتلك من القوة والاستعداد واليقظة ما يجعلها قادرة على الردع والحسم في آن واحد.
وهنا تبرز الرسالة الأهم: مصر لا تسعى إلى الحرب، ولا تلهث وراء الدماء، لكنها في الوقت ذاته مستعدة لكل طارئ، تدرك أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بقوة تحميه، وأن الاعتصام بحبل الله يمنحها سندًا ربانيًا ومعنويًا يعزز قوتها المادية. إنها رسالة طمأنة للأصدقاء وتحذير للأعداء: نحن دعاة سلام، لكننا أصحاب عزيمة لا تلين، وإذا فرضت المعركة فلن يجد المعتدي أمامه إلا جيشًا لا يُهزم وشعبًا لا ينكسر.
وبهذا يتضح أن وحدة الصف والاعتصام بحبل الله ليست فقط واجبًا دينيًا، وإنما ضرورة استراتيجية تحمي الأرض والعرض، وتجعل الأمة قادرة على مواجهة أي تحدٍّ. ومصر اليوم تقدم النموذج الحي لهذه الوحدة، فهي تجمع بين العقيدة والهوية، وبين السلاح والإرادة، وبين الماضي العريق والحاضر القوي. وما على العدو إلا أن يعترف بالحقيقة: أن مصر، بعون الله ووحدة شعبها، ستظل الحصن المنيع في وجه الصهيونية العالمية وأطماعها.
إنَّ ما تقدَّم من معانٍ ومواقف ليس إلا تمهيدًا لحقيقة راسخة، وهي أن مصر كانت وما زالت وستظل النموذج الأوضح في معنى الاعتصام بحبل الله، والتمسك بالوحدة، والاصطفاف خلف راية واحدة، فلا انقسام ولا تشرذم أمام التحديات. إنَّ تحرشات العدو الصهيوني ومحاولاته المستمرة لبث القلق أو إشعال الفتن، ليست سوى دليل على خوفه من قوة الاستعدادات المصرية، وخشيته من يقظة هذا الشعب وجيشه. فكلما ازداد العدو مكراً، ازددنا ثباتًا، وكلما ارتفعت نبرة التهديدات في إعلامه، أدرك العالم أن وراءها رعبًا مكتومًا من أن تنهض مصر بكامل قوتها في لحظة فاصلة.
الخاتمة هنا تأتي بمثابة رؤية للمستقبل القريب، حيث ستثبت الأيام أن الاعتصام بحبل الله هو سر النجاة والانتصار، وأن التماسك الداخلي هو الدرع الحقيقي في مواجهة أي عدوان. إن مصر حين تُعلن جاهزيتها، فهي لا تفعل ذلك من باب الاستعراض، وإنما من باب المسؤولية التاريخية تجاه نفسها وتجاه أمتها. فالأمة كلها تستمد الأمل من صمود مصر، وتستشعر العزة حين ترى شعبها وجيشها كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا.
ولذلك، فإن أي مغامر يظن أن بإمكانه اختبار صبر مصر أو استفزازها سيدرك سريعًا أن الرد سيكون قاسيًا، وأن الأرض التي أنجبت رجال العبور في أكتوبر لن تعجز اليوم عن إنجاب رجال أكثر صلابةً وعزيمة. إن مصر لا تنام على حدودها، ولا تغفل عن مؤامرات أعدائها، بل تواصل ليلها بنهارها في استعدادات متواصلة، لتبعث برسالة واضحة: نحن دعاة سلام، ولكننا لن نسمح بالاعتداء، ولن نسمح لأحد أن يعبث بأرضنا أو كرامتنا.
هذه هي مصر التي قال عنها التاريخ إنها قلب العروبة النابض، وهي اليوم تثبت أن قلبها ما زال نابضًا بالإيمان، قويًا بالوحدة، صلبًا بالاستعداد. ومن يقرأ المشهد بعين البصيرة يرى أن النصر لا يخرج إلا من رحم الوحدة، وأن الخذلان لا يولد إلا من رحم التفرقة. ومن هنا، فإن الاعتصام بحبل الله ليس فقط أمرًا إلهيًا واجب الطاعة، بل هو طريق عملي للبقاء والانتصار.
وفي النهاية، تبقى الرسالة واضحة للعالم أجمع: إن مصر أمة تقرأ قرآنها وتعمل به، وجيشها يتسلح بالإيمان قبل السلاح، وشعبها يتحد على كلمة سواء، ومن يحاول أن يختبر قوة هذا الاعتصام فسيكتشف أن مواجهته ليست مع دولة فقط، بل مع أمة بكاملها متجذرة في التاريخ، محصنة بالإيمان، ومجهزة بالاستعداد، ماضية بعزم لا يلين نحو النصر المبين.