علاج العضب


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

تحدثنا في المقال السابق عن خطورة الغضب الدينية والاجتماعية والصحية، وفي هذا المقال نحاول تسليط الضوء على علاج الغضب وإنهائه، أو تخفيفه وتقليله، ومن ذلك:

1ـ الاستعاذة بالله من الشيطان، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}، فالشيطان دائماً ما يوقع الإنسان في سكرة الغضب؛ ليسوقه إلى مساخط الله، ولمَّا استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد “.

2ـ الوضوء، فالغضب جمرة من نار، والنار تنطفئ بالماء، كما جاء في الحديث: “إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تُطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”، وصدق الله تعالى حيث قال عن الوضوء وبركة الماء: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ}[الأنفال: 11]، فالوضوء يعيد لخلايا الجسم الهدوء، وللأعصاب ضبط مصنعها.

3ـ السكوت وعدم الكلام، كما في الحديث: “إذا غضب أحدكم فليسكت”؛ لأن الغضبان لا يصدر عنه إلا السوء قولا وفعلا، ثم بعدما يفيق من سكرته وثورته يندم على سبِّه وقذفه وطلاقه وأقواله وأفعاله، وكل ما صدر عنه؛ ولذلك يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: “وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب”؛ لأن أكثر الناس يجور ويظلم ويحيف في حال الغضب؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الحاكم أن يحكم وهو غضبان، وقال: “لا يقضينَّ حكم بين الناس وهو غضبان”.

4ـ أن يغير الغضبان من حالته أو من مكانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع”؛ لأن الغضب يستدعي الانتقام، والغضبان أقرب إليه وهو قائم، وأبعد عن الانتقام وهو قاعد، وأبعد وأبعد وهو مضطجع ونائم، بل قال صلى الله عليه وسلم: “فمن أحس بشيء من ذلك فليلتصق بالأرض”.

وكل هذه المحاولات لإسكات ثورة الغضب أو تهدأتها تُسمى في القرآن الكريم بكظم الغيظ، والله تعالى يقول عن وصف أهل الجنة وتحكمهم في انفعالاتهم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 133، 134]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضل كاظم الغيظ: “ومن كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور ما شاء”.

والنبي صلى الله عليه وسلم يتأسى بالكاظمين، فقد قسم صلى الله عليه وسلم يوما قِسمة فقال رجل: إن هذه ‌قسمة ‌ما ‌أريد ‌بها وجه الله، فغضب صلى الله عليه وسلم حتى بدا الغضب في وجهه، ثم قال: “رحم الله وموسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر”.

والنبي صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا لله تعالى: حتى قال أنس بن مالك: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما أمرني بشيء قط فتوانيت فيه فلامني فيه أو غضب فإن لامني أحد من أهله قال: ‌‌”دعوه، فلو ‌قدر أن يكون لكان”.