الإيمان بين الحقيقة والادعاء


بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي

الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، على آله وصحبه ومن والاه، يقول المصطفى: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

لقد شاع في واقع المسلمين نوع من الصلاح لا يتجاوز المظاهر، إذ ترى المرء متزينًا بما يوحي بالاستقامة من لباس أو هيئة أو أداء لبعض العبادات أمام الناس، غير أنّ قلبه يخلو من حقيقة التقوى، فلا يراقب الله في خلواته، ولا يزكي نفسه من أمراض الرياء والعجب وحب الدنيا. وهذا لون من التدين الشكلي الذي لا يُثمر أثرًا ولا يورث خشيةً ولا يقيم للمرء ميزانًا عند الله.

وليس هذا الانحراف وليد اليوم، بل هو نتيجة فهمٍ قاصرٍ لحقيقة الدين، حيث غاب عن البعض أن الإسلام روح قبل أن يكون شكلًا، وجوهر قبل أن يكون مظهرًا. وزاد من ترسيخ هذا الحال أن المجتمعات في كثير من الأحيان تكافئ على المظهر الديني أكثر من مكافأتها على جوهر التقوى، فصار بعض الناس يحرص على الصورة ويغفل عن الحقيقة.

والخطر في ذلك عظيم، إذ تنتشر أشكال من النفاق العملي، فينشأ جيل يرى أن الدين لا يعدو أن يكون مظاهر خاوية، ويخدع المرء نفسه وهو يظن أنه بلغ مرتبة الصالحين، وهو في الحقيقة بعيد عن حقيقة القرب من الله. بل تتشوه صورة الدين في أعين الناس عندما يرون التناقض بين مظهرٍ يوحي بالصلاح وسلوكٍ يشي بالفساد، ويضعف أثر التدين في المجتمع فلا يُثمر أخلاقًا ولا صدقًا ولا إصلاحًا حقيقيًا.

أما الإسلام الحق فقد جعل الإيمان ما وقر في القلب وصدّقته الأعمال، فلا يغني ادعاء ولا يكفي إظهار. وقد كان السلف الصالح يربون أنفسهم على اجتماع الظاهر والباطن في نور الطاعة، فقال الحسن البصري رحمه الله: “ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل”.

وما أحوجنا اليوم أن ننتقل من ظواهر الأشكال إلى جوهر الحال، فنحيي في قلوبنا مراقبة الله، ونزكي نفوسنا بالصدق والإخلاص، ونربي الأجيال على أن الصلاح لا يُقاس بالثوب ولا بالمظهر، بل بصفاء السريرة ونقاء المعاملة. وإذا اجتمع الظاهر والباطن في نور الطاعة والإخلاص، تحقق وعد الله لعباده: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾.