التوسل بين ادعاء الوهابية وحقيقته الفقهية
11 سبتمبر، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد
من المسائل التي كَثُر حولها الجدل في عصرنا مسألة التوسل، حتى صارت في نظر البعض قضية عقدية يُتهم بسببها المسلمون بالشرك والبدعة. والحقيقة أن التوسل عند جمهور العلماء هو مسألة فقهية بحتة، تعلّقت بالدعاء وكيفيته، لا بعقيدة التوحيد.
ما هو التوسل؟
التوسل في جوهره هو أن يتقرب العبد إلى الله تعالى بسببٍ مشروع. فالمسلم لا يدعو غير الله، وإنما يدعو الله متوسلاً إليه بعمل صالح، أو باسم من أسمائه الحسنى، أو بجاه نبي من أنبيائه وولي من أوليائه الذين أحبهم وكرّمهم.
فالذي يقول: اللهم بجاه نبيك اغفر لي، لم يدعُ النبي ﷺ، بل دعا الله وحده، متوسلاً بمقام النبي الكريم عند رب العالمين.
قصة آدم والتوسل بجاه النبي ﷺ
أصل التوسل قديم في تاريخ البشر، فقد ورد أن سيدنا آدم عليه السلام لما اقترف الخطيئة قال: يا رب، أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله تعالى: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟، قال: يا رب، لما خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم، ولولا محمد ما خلقتك.
هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (2/615) وقال: صحيح الإسناد. وذكره البيهقي في دلائل النبوة، وكذلك الطبري في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ [البقرة:37]، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق. ورغم أن في إسناده ضعفاً من جهة عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، إلا أن العلماء قبلوه في باب الفضائل، واستأنسوا به لِقِدَمِ مشروعية التوسل بجاه النبي ﷺ.
صور التوسل المشروعة
1. التوسل بالأعمال الصالحة: كما في قصة أصحاب الغار الذين توسّلوا بأعمالهم ففرّج الله عنهم.
2. التوسل بأسماء الله وصفاته: وهو منصوص عليه في القرآن الكريم.
3. التوسل بالأنبياء والصالحين: وهو ما عليه جمهور الأمة، استناداً إلى الآثار وأقوال الأئمة، ومن ذلك قصة سيدنا آدم.
أين الخطأ عند الوهابية؟
الوهابية أنكرت التوسل بالأنبياء والأولياء بعد وفاتهم، وحصرته في حياتهم فقط. وهذا تضييق لا وجه له، بل يوهم أن حياة العبد هي المؤثرة في الدعاء، مع أن المؤثر هو الله وحده، وأن السبب في قبول الدعاء هو كرامة المتوسَّل به عند الله لا مجرد حياته الدنيوية.
وقد نقل كبار العلماء كالإمام النووي والسبكي وابن حجر الهيتمي استحباب التوسل بالنبي ﷺ وبيّنوا أن إنكاره ضرب من الغلو وقد ذهب بعض العلماء أن من أنكره أتى ببدعة مذمومة.
كلمة أخيرة
التوسل باب من أبواب الدعاء، لا يقدح في التوحيد ولا يخرج المسلم من دائرة الإسلام ، لكن حين تصدّر للفتوى من لم يتأصل في العلم، تحوّلت المسألة الفقهية إلى معركة عقدية، شُغلت بها الأمة عن أولوياتها الكبرى.
فلنأخذ ديننا من العلماء الموثوقين، وفي مقدمتهم الأزهر الشريف، ولْنَحذر من دعاوى الغلو التي فرّقت المسلمين وشوّهت معالم دين الرحمة.