من اسقط الخلافة؟ الجزء الثالث

بقلم الدكتور / احمد عبد الرحيم
الباحث فى التاريخ الاسلامى 

المقال الحادى والعشرون من سلسلة ( زمن الدجال )

وفى عام 1903 خاض عبد العزيز ال سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة حرباً ضروساً وطويلة ضد الوجود العثمانى فى وسط الجزيرة العربية فقد خاض اول معركة ضد امارة جبل شمر الموالية للدولة العثمانية والمدعومة من قبلها ب 8 كتائب عسكرية والتى يحكمها ال الرشيد وتتابعت معارك الوهابيين ضد امارة جبل شمر ومنها معركة عنيزة ، ومعركة بريدة ، والبكيرية ، والشنانة ورضة مهنا والتى قتل فيها عبد العزيز بن متعب ال الرشيد وعلى اثر ذلك انسحبت القوات العثمانية من نجد بحيث كانت تلك المعركة البداية العملية لزوال امارة جبل شمر وحكم اسرة ال الرشيد من حائل ونجد وبالتالى الانهاء العملى للوجود العثمانى فى وسط شبه الجزيرة العربية، وكذا معركة الطرفية.

وفى 2 نوفمبر 1921 م هاجم جيش الاخوان الوهابى بقيادة فيصل الدويش وجيش اخر من القوات الوهابية بقيادة عبد العزيز ال سعود مدينة رحائل وانتصروا فيها على قوات ال الرشيد وبالتالى انهوا حكم ال الرشيد وسقوط امارة جبل شمر الموالية للخلافة العثمانية.

ولقد سجل التاريخ عدة مجازر ومذابح ارتكبها الوهابيون ضد اهالى حائل وامارة جبل شمر والاحساء ومنها:

فى عام 1919 م وارتكبوا مذبحة الشعيبة وتذبح المصلين في مساجد قرية الشعيبة قرب حايل ليلة 27 رمضان سنة 1338هـ راح ضحيتها مقتل 3790 شخص

وفى عام 1921 م ارتكبت القوات الوهابية مجازر النيصيية والوقيد والجثامية كان ضحيتها قتل أكثر من عشرة آلاف مسلم من قبيلة شمر وأهل حائل

وكذا مذبحة (الغوطة) بحائل كان ضحيتها قتل (375) “بقيادة هبقان السليطي” ، كما انهم ارتكبوا مذبحة أم غراميل (شرقي حائل) فى عام 1929 م وكان ضحيتها قتل (411) مسلماً

وفى عام 1928 ارتكبت القوات الوهابية مذابح الحويطات وبني عطية وجهينة وبلي بالحجاز وكان ضحيتها قتل أكثر من سبعة آلاف من قبائل الحويطات وبني عطية وجهينة وبلي، وشردوا الآلاف منهم        وهم على خط السكة الحديد التى انشأتها دولة الخلافة العثمانية لتصل الى الحرمين الشريفين وتكون بمثابة شريان الحياة لمناطق الحجاز والجزيرة العربية على وجه العموم، ما انه سيوفر الجهد على الحجيج والمعتمرين وزائرى الاماكن المقدسة فهو سيكون بديلاً عن الطريق البرى وسيوفر مدة السفر الى 4 ايام فقط بدلاً من 40 يوماً مقابل 3.50 جنيهاً استرليناً والذى وفر على الدولة العثمانية تكلفة تأمين طريق الحج والتى تتجاوز مبلغ 60 الف ليرة ذهبية سنوياً، بالاضافة الى تعزيز سيطرة سلطة الخلافة العثمانية على ارجاء الحجاز .

لقد كان إنشاء هذا الخط يؤرق الانجليز والفرنسيين على السواء وكانوا يسعون لافشاله بأى ثمن ، ولذلك لم يخفيا مواقفهما العدائية ضد مشروع قطار الحجاز ووضعا العقبات والقيود امام عمليات التبرع فى مستعمراتها لاتمام هذا المشروع الضخم الذى امتد طوله لاكثر من 1322 كيلو متر وشمل 40 محطة وعدد 2666 جسراً حجرياً وجسورا للمشاة و250 رصيفاً و7 جسور حديدية و7 احوض و37 صهريجاً ومستشفى فى تبوك ومعان وورشة صغيرة فى حيفا ودرعا ومسبك وورشة انابيب فى حيفا ومخازن عديدة على طول مسار الخط ومركز لصيانة المقطورات، حتى ان هذا المشروع قد كلف الخزانة العامة لدولة الخلافة اموالاً طائلة بالاضافة الى التبرعات التى حضت عليها الخلافة وكان الخليفة العثمانى السلطان عبد الحميد الثانى هو رئيس احد اللجان المشكلة للاشراف على انشاء خط القطارات وتنفيذ هذا المشروع.

لم يألو الانجليز جهداً فى افشال هذا المشروع وفى سبيل ذلك ازكوا الصراع فيما بين امير مكة الشريف حسين واوهموه بتأسيس دولة عربية تكون على املاك الخلافة العثمانية فى البلاد العربية فرتب لذلك الثورة العربية الكبرى وصارت مهاجمة خط السكة الحديد باعتباره هدفاً حربياً يقصده رجاله وكذا عربان الحجاز الذين يعملون فى امرة الشريف حسين على طول الخط الواقعة فى الاراضى الحجازية ، فلقد شنوا غارات عنيفة ضد الجنود والمنشأت ، وكذا الاغارة على الجسور والقطارات وتخريب هذا الخط الحجازى ، فقد دمر العربان الجسور ونزعوا القضبان الحديدية ونسفوا القطارات ، وفى عام 1917 م انضم الضابط الانجليزى توماس اداورد لورانس الى المهاجمين وقاد هجمات على القطار الحجازى بقاذفات افضت الى تدميره، وتذكر المراجع التاريخية الى ان هذا الاخير (توماس اداورد لورانس) كان يعطى البدور قطعة من الذهب مقابل كل قضيب يفكك ويدمر من السكك الحديدية من معان وحتى المدينة المنورة.

حتى انه عندما غدر الانجليز بحليفهم وبمن منوه بحكم البلاد العربية اذا هم ينكثون بيعته ويحنثون فيها لصالح ربيبهم عبد العزيز بن سعود فهو اصدق لهجة فى موالتهم ولديه اجندة طويلة الامد فى تصدير الفكر الوهابى.

وبعد ان خضعت الاراضى الحجازية بالنار والحديد والدماء لسلطان بن سعود دمر بقية خط الحجاز ارضاء لمليكته بريطانيا العظمى التى وعد بأنه لن يخرج عن رأيها حتى تصيح الساعة، وعد الرجل فأوفى فهو لم يخرج عن رأيها حتى صاحت ساعته وخرجت روحه الى بارئها فى خضوع اعجز واصفه!

وهو فى سبيل تدمير ما تبقى ممن خط السكة الحديد الحجازية وهو المشروع الذى لو تم التبكير به ولم يصادفه من المؤامرات لكان له شأناً فى الوحدة الاسلامية ورفع ايدى اليهود عن فلسطين ولكن هو القدر.

بل ان احد ابناء فيصل ابن تركى آل سعود قد خرج عن رسم اباءه الوهابيين ، وأطاع حاكمه وخليفته السلطان العثمانى خليفة المسلمين فآثر عهده وطاعته ، هو عبد الله بن فيصل بن تركى ، فبعد ان مات الملك فيصل بن تركى ال سعود فى عام 1865 م ، انتقل الحكم بعده الى ابنه الاكبر عبد الله وكان اخاه الاصغر “سعود” يحسده ، وطالما حاول ابيهما ازالة تلك السخيمة السوداء فى نفس سعود الا انه لم يفلح ، وعقب ان استتب الحكم لعبد الله بن فيصل انقلب عليه اخيه سعود واشعل فتيل الثورة ضده بمساعدات انجليزية ، فطلب عبد الله بن فيصل العون من حلفائه الدولة العثمانية وهى دولة الخلافة ضد هذا الخروج الذى رتبه أخيه سعود إرضاء للانجليز أولياء نعمته.

فيا ترى ما سيكون موقف علماء نجد من السلفية والوهابيون ضد الخروج على الحاكم (عبدالله بن تركى)؟

ليس من العجيب ان يساند علماء الوهابية سعود وينحازوا الى جانبه ، ويحكمون بردّة عبد الله بن فيصل وكفره ، ذلك انه لجأ الى خليفة المسلمين الذين يحكمون برّدته أيضاَ وكفره ، وتركه ولاء الانجليز وهم ليسوا مرتدين بل هم اهل ذمة وكتاب لا يجب عدائهم ويجب الاحسان اليهم.

لقد كان الموقف من الدولة العثمانية أساسياً للحكم، فيذكر والي بغداد مدحت باشا في مذكراته ان عبد الله بن فيصل “لم يعاكس الدولة العلية العثمانية” ، فهذا هو السبب الذى بناءً عليه انحاز علماء الوهابية بقوة إلى جانب سعود.

وبلغ من بغض الوهابية للخلافة العثمانية ونصبهم العداء لهم انهم منعوا الحجاج التابعين لبقاع الخلافة العثمانية من اداء فريضة الحج لعدة اعوام ، وقطعوا عليهم الطريق ، فبعد سيطرة الوهابية على الحرمين الشريفين بقيادة سعود بن محمد ال سعود منع الحجيج اليمنى والعراقى والمصرى والشامى والايرانى والمغربى ومن فى جهتهم من الحج خلال الفترة 1805 م وحتى سنة 1808 م عن اداء فريضة الحج فلقد استمر المنع نحو ست سنوات .

ويذكر المؤرخ الوهابى “عثمان بن بشر الحنبلى” فى الصفحة 139 من كتابه ” المجد فى تاريخ نجد من احداث الحج لسنة 1221 هـ / 1806 م “فلما خرج سعود من الدرعية قاصداً مكة أرسل فراج بن شرعان العتبى ورجالاً معه ، وذكر لهم ان يمعنوا الحجاج التى تأتى من جهة الشام واسطنبول ونواحيهما ، فلما أقبل على المدينة الحاج الشام ومن تبعه وأميره “عبدالله العظم باشا” والى الشام ارسل اليه هؤلاء الامراء أن لا يقدم وأن يرجع إلى أوطانه ، ولم يحج فى هذه السنة أحد من اهل الشام ومصر والعراق والمغرب ـ أى بلاد المغرب العربى كله ـ وغيرهم الا شرذمة قليلة من أهل المغرب لا اسم لهم”