محبة النبي صلى الله عليه وسلم (1)
1 سبتمبر، 2025
قبس من أنوار النبوة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
محبة النبي صلى الله عليه وسلم روح وريحان وروضة من الجنان، هي الحب الراقي والود الباقي، وهي المقصد الشريف والشوق اللطيف.
محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد شيء مستحب أو مسنون بل فريضة إسلامية وواجب عيني، فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر بن الخطاب، فقال عمر: والله يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا – والذي نفسي بيده – حتى أكون أحب إليك من نفسك”، فقال عمر: فأنت الآن والله أحب إلى من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”، فلا يستقر الإيمان في قلب إنسان حتى يكون حُبُّ النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه ومن كل شيء، ويؤكد هذا المعنى أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله ووالده وولده والناس أجمعين”.
ويتوعد الله عز وجل بعقابه أن نحب شيئا أكثر من حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: 24]، أي إن كانت هذه الدنيويات أحب إليكم من رسول الله فانتظروا عقاب الله أن يحل بكم.
ولكن هذه الفريضة ليس فيها مشقة ولا تعب ولا عنت، بل هي لذة ومتعة وحلاوة، وقد سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: “كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ”، فكانت محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أشد من حب العطشان إلى الماء البارد؛ لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أحلى في قلوبهم من حلاوة الماء البارد في فم الظمآن، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال في حلاوتها: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، …”.
أشتاق إليك يا قريب النّأْيِ شوق ظمآنٍ إلى زلال الماء
وهذا الصحابي الجليل زيد بن الدَثِنة الذي أُسِر يوم الرجيع وأخرجه كفار قريش ليقتلوه، فلما حان موعد القتل قال لزيد: أنشدك يا زيد هل تحب أن محمداً مكانك تُضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال: “والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة فتؤذيه وأنا جالس في أهلي”، فزيد رضي الله عنه ما يحب أن يكون آمناً والنبي صلى الله عليه وسلم تؤذيه ولو شوكة، بل يفدي النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى بكل شيء، فقال سفيان: ما رأيت أحداً أحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
وقار وحب من شذى المسك أذكى وأطيب ومن قطرات المزن أصفى وأعذب
وهذا أبو دُجانة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وروحه، ففي معركة أُحد لما انكشف المسلمون وهُزموا لما نزل الرماة من على الجبل، وصعد خالد ومن معه على الجبل يرشقون ظهور المسلمين بنبلهم، فانكب أبو دجانة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتضنه ليستره من نبال قريش حتى صار ظهره كالقنفذ من كثرة ما في ظهره من النبال، فأي حب هذا وأي فداء هذا وأي معالٍ هذه!
معالٍ جازت الجوزا جوازاً وحُسن قد حوى الحسنى وجازا