بقلم الدكتور: عبد الكريم فتاح الباحث والكاتب الكردى
ومن خلال قلب الصفحات والورقات عثرنا على كيفية معرفة غيرنا بطريقة علمية ومعرفية، وليست الكيفية سهلة الحصول بل صعبة الحصول على قاصديها، ونحن بحاجة ملحة ومحاولة متواصلة للوصول إلى تلك الحقيقة، ولكن ينبغي علينا صرف الهمة في تلخيص الأشياء الغزيرة وتقصير اسفار بعيدة إلى مسافات قليلة، ولذا وضعنا أسلوبا واضحا بما يلي :
١- لا ريب إن الافعال والانفعال تصدر من الناس تبين من هو وفي أي مستوى ودرجة ؟
لأن الحسنات والأعمال إذا كانت مؤدية وفق النصوص الشريعة الإسلامية فهي هوية فعالة تعرف صاحبها أنه إنسان صالح ومحسن ومصلح، وليس هو في الحين بحاجة إلى تزكية نفسها بمقال أو معرف يعرفه أمام الناس ويقول: هو محسن وصالح، بل كل الناس بشكل طبيعي ولاإرادي يعدون محاسنه ويذكرونه في أعين الناس جملة وتفصيلا.
وهذا التوصيف متدفق وجداني يخطو نحو التشكر والعرفان والعلم بمحاسن المحسنين ، كما قال الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله وسلم – في حديث نبوي شريف: { لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ}
من أراد أن يحصل تلك الهوية الفعالة والوسامة فليعامل مع الناس بمعاملة خيرة، اعلم أن معاملتك تحمل رسالة الشفقة الشغفة والمحبة والرحمة والوئام والتعاون والتضامن، فبالتأكيد فالمحسن معه يتحرك ضميره الحي ويتحدث بما عومل معه من الاحسانات الدينية والإنسانية السمحاء.
وفي يوم ما يتحرك وجدانك أن تجزيه بمثل فعل حتى أو أكثر أو حد الأقل تدعو له بالخير والسعادة والنجاح في الدنيا والآخرة أو تكرمه في الوصل والفصل والجمع والخلوة.
{ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صنعَ إليكم معروفاً فَكَافِئُوهُ، فإن لم تجدوا ما تُكَافِئُونَهُ فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه}
٢- الكلام والخطاب ميزان دقيق يحدد شخصية المخاطب عالماً أو جاهلا ، عزيزا أو ذليلا ، مهابا أو مهانا، شجاعا أو جبانا، طاهر النية أو خبيثها، مخلصا أو خائنا ، نبيه أو غافل، إذ كل هذه الصفات مكنونة ومدفونة في باطن الإنسان ولا يطلع غيره إلا بعد إلقاء الخطاب والتكلم من قبل ذلك الإنسان المخاطب والمتكلم ، فالكلام الحلو والطيب يلعب دورًا كبيرًا وفعالا في تثبيت الشخصية، لأن حوارك الطيب المملوء من الحكمة والأدب دليل ملموس على أنك صاحب ثقافة وفيرة، فأنت آنذاك كالبحر والنهر والعين وبالمقابل فالناس كالمظمئين والعطشانين، وهم بحاجة إلى من يزيل عطشهم وظمئهم في فصل الحر ، وهم ينضجون منك العقول والتصورات الجميلة والقيمة. لقد احسن الشاعر (جهاد جحا) في تلك الأشعار:
أَدَبُ الْكَـلَامِ دَلِيْلُ عَقْلِكَ يَا فَتَى
فانْـظُـرْ كَـلَامَـكَ إنَّــهُ الــمِيـزَانُ
إنَّ الَّذِي يَـحْوِي العُلُومَ ومَا حَوَى
أَدَبَ الـحِـوَارِ يُـخُوْنُهُ الُبرْهَانُ
مَنْ لم يـَزِدْهُ العِلْمُ حُسْنَ تَصَرُّفٍ
ذَاكَ امْـرُؤٌ فـي عَقْلِـهِ نُقْصَانُ
وفي نهاية المطاف أقول: معرفة كل شيء والإحاطة به بالنسبة إلى الإنسان شيء بسيط لأنه يملك ملكة راسخة في أعماقه ولكن من الصعب أن يحيط ببني نوعه الإنساني، نوع طاغ ومذبذب، يؤمن ويكفر يقرر ويندم، ينظم في بدء النهار وينقض غزله في آخره إلا من خضع لشريعة الله تعالى وسنن رسله عليهم الصلاة والسلام. ولیس الإنسان حقيقة مطروحة الباحث يظفر كما يشاء بل هذا الكائن في غاية الصعوبة مفهوما، إن الشيطان اللعين نظر إلى الإنسان نظرة عادية وحقارة وبعيدة عن النظر الموصل إلى النتيجة: ﴿ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ(٦٢) الإسراء.
وهذه النظرة العمياء والعشوائية والشعوائية دفعته إلى هذه العاقبة الخطيرة والرهيبة.