(العلاقة بين الشيخ المربى والمريد )حوار خاص مع الدكتور محمد سالم الشافعى
14 أغسطس، 2025
منهج الصوفية

الطريق إلى الله بنيت على قواعد رصينة متكاملة لايمكن الإخلال بأحدها فهى كالبنيان المرصوص ، إذا سقطت قاعدة منها إنهار البنيان بأكمله .
وإستكمالا لسلسلة “عدة المريد فى السير إلى الله ”
حوارنا اليوم مع الدكتور : محمد سالم الشافعى الأزهرى
أستاذ مساعد التاريخ والحضارة الإسلامية – جامعة الأزهر بالمنصورة
يتنناول هذا الحوار العميق طبيعة العلاقة بين الشيخ المربي والمريد في طريق التصوف، مبينًا أبعادها الروحية والتربوية، وما تتطلبه من آداب خاصة، وتسليم وثقة، دون إفراط أو غلو. كما يناقش دور الشيخ في تهذيب المريد، وأهمية التوسط بين المحبة والاحترام، والحذر من المبالغة التي تخرج عن حدود الشرع، في إطار من الفهم السليم لمعاني التوكل وترك التدبير، وصولًا إلى تمام العبودية لله تعالى.
س56 : هل لعلاقة الشيخ المربى بمريده خصوصية معينة ام انها تأخذ صورة واحدة جامدة ؟
الجواب:
العلاقة بين المريد والشيخ المربي أو بين السالك وبين الأستاذ علاقة أشبه ما تكون بعلاقة الأبوة, ليست مجرد علاقة تلميذ بأستاذه كما في بعض الأعراف والتقاليد, فالمربي هو الذي يختار السالك, وليس العكس, لأن الطريق صعب, لا يسلكه إلا أهل الخلاص والإخلاص, والمسألة الشاقة, وقد جاء جماعة إلى الشيخ إبراهيم المتبولي يطلبون مشيخته والتربية على يديه فقال: اللعب بالطريق ليس بمليح، وأوعيتكم مخرقة، فبتقدير أن أحط لكم فيها شيئا من المدد لا يصل معكم إلى بيوتكم، بل يتساقط كله قبل وصولكم إليها، فقالوا: يا سيدي سد لنا خروق قلوبنا، فقال: ما بقي مع أحد إذن في ذلك، ليقضى الله أمرا كان مفعولا! وآداب السالك والمريد تحتاج إلى تأصيل وتفصيل يطول, لكن الشاهد أن العلاقة بينهما علاقة خاصة, وأن السالك إن علم من شيخه الصلاح والنجاح تبعه ولا يثقل عليه في السؤال, ويلتزم شرط موسى عليه السلام مع الخضر “قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِي فَلَا تَسۡـَٔلۡنِي عَن شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرٗا 70 “[الكهف: 70]
س57 : أثر عن مشايخ السادة الصوفية قديما عبارة ( أن يكون المريد كالميت بين يدى مغسله) فما معنى هذه العبارة؟
الجواب:
هذا يكمل ما ذكرته ويؤكد عليه, أن ثمة شروطا صعبة, بالغة الأهمية, شديدة التعقيد في سلوك الطريق, وكان أبو القاسم القشيري رحمه الله يقول: يجب على المريد أن يصحح عهده بينه وبين الله تعالى أن لا يخالف شيخه في كل ما يشير به عليه..
ولا يعني هذا عصمة الشيخ ولكن لو فتحنا باب الجدل والخلاف خصوصا والمريد في بداية الطريق أشبه بالطفل يتحسس الطريق, والشيخ كما ذكرت أشبه بالوالد, بكثره تجاربه ومعارفه, يعلم المفسد من المصلح, ويعلم ما فيه خير المريد, كما أن الأب يعلم صالح ولده, حتى لو رأى الولد غير ذلك, وكان الشيخ عبد الله المنوفي وهو من هو في العلم والفضل من هو ينزح بيت شيخه, وما صار إلى ما صار إليه من الرفعة والعلم إلا بلزومه قول شيخه, ودعاء شيخه له, ومن كلام بعضهم:” أحسن الظن ولا تنتقد بل اعتقد، والتسليم أسلم، والله بكلام أوليائه أعلم
س58 : وهل معنى ذلك استبداد الشيخ المربى بالمريد ؟ او هناك غاية أخرى كتعليمه ترك الإرادات والتدبير مع الله ؟
الجواب:
لا طبعا, وإنما الغاية هي تعليمه بشكل عملي ترك التدبير, ولا يعني ترك التدبير ترك الأسباب, وإنما يعني الأخذ بالسبب وترك النتيجة على المسبب سبحانه, كما قال الله لمريم ” وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا ” [مريم: 25]
س59 : وما معنى ترك الإرادة والتدبير ؟
الجواب
وترك التدبير ليس كما يظن البعض هو ترك العمل, وإنما ترك التدبير هو ترك الدنيا وعدم الركون لها والافتتان بزخرفها, قال بعض الصالحين: من ترك التدبير، عاش في راحة التوكل، وهو أن يكون العبد كالطفل الصغير في حجر أمه، تقلبه كيف شاءت بأحسن تدبير!
وقال إبراهيم الخواص في «كتاب المتوكلين»: هو أن لا يركن القلب إلى مال ولا سبب ولا مخلوق، بل يركن القلب إلى الله حتى يجد للمنع حلاوة ما يجد عند العطاء.
وقال بعض العارفين: من سلّم إلى الله أمره صنع به وصنع له. ومن وجد الله لم يجد معه غيره، ومن طلب رضاه حباه الله بالمكنون من سرّه وهو قوله [عزّ وجلّ] {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوْرًا رَحِيْمًا}
س60 : وهل هذان اللفظين يساويان التسليم بمراد الله تعالى والرضا بقضاء الله وتمام العبودية لله سبحانه وتعالى؟
الجواب:
نعم فترك التدبير معناه التسليم لأمر الله, يقول ابن عطاء الله – رضي الله عنه- {وربك يخلق ما يشاء ويختار} يتضمن ذلك الإلزام للعبد بترك التدبير مع الله، لأنه إذا كان يخلق ما يشاء فهو يدبر، ما يشاء, فمن لزم التسليم ترك التدبير التسليم: ترك التدبير والاختيار بالسكون تحت مجاري الأقدار. ولله در القائل:
لا تخدعن فللحبيب دلائل … ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه … وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة … والفقر إكرام وبر عاجل
س61 : من المتعارف عليه أن المريدين يحبون مشايخهم حبا شديد، فما علة وسبب ذلك؟
الجواب:
السبب في ذلك جلي واضح فالشيخ وريث نبي, وحامل لواء المعرفة والكشف والحقيقة, يتمثل فيه أقوال وأفعال السلف, وربما رأى السالك في شيخه من الكرامات والإشارات والعبارات ما يشيب له الولدان, كما أن الشيخ للسالك بمثابة المصباح والسراج, ينير له الدروب المظلمة.
قال بعضهم: إنما يصل النور إلى قلب المريد وينزرع فيه كما تنزرع البذرة في الارض ، فيحصل من هذا الاتصال النوراني ، ارتباط روحي بين المريد والشيخ ، ثم لا تلبث هذه البذرة أن تمد المريد بالمحبة التي تحمله على الطاعة الكاملة ، وهذه الطاعة تؤهل تؤدي بالضرورة إلى نمو النور في داخله كما تنمو البذرة إلى أن تصبح شجرة مباركة تمتد فروعها وأغصانها في كل خلية حسية أو ملكة باطنية من خلايا المريد وملكاته
س 62: وهل يتناقض ذلك الحب مع محبة واحترام باقي مشايخ الطرق الاخرى؟
الجواب
لا يتناقض ذلك مع محبة مشايخ الطرق الأخرى مطلقا, وكما ذكرت أن الشيخ للمريد بمثابة الأب المربي, يرى فيه ذلك, ويحترم غيره من المشايخ, ويرى أنها بمثابة المذاهب الفقهية يكمل بعضها بعضا, فلا يعني مثلا؛ أن يكون أحدهم شافعي المذهبي أن ينتقص من قدر الأحناف أو المالكية, الأمر نفسه ينطبق على طرق التصوف, خصوصا وكلها وأقصد الطرق الصحيحة المستقاة من الكتاب والسنة, والمتأسية بأخلاق الحبيب صلى الله عليه وسلم, تأخذ من معين واحد
س 63: وهل من المقبول غلو البعض فى محبة مشايخهم ووصفهم بما قد لا يليق بما قد يحزن مشايخهم ؟
الجواب:
الغلو مرفوض مذموم ذمته الشريعة الغراء, ورفضه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وذمه, وقال لا تطروني, وقال الحق جل جلاله ” لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ “[النساء: 171] فكل غلو مرفوض, وكل إطراء فيه مغالاة نوع من التطرف, فلا قول يعلو على قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووصف الشيخ بصفات تجعله أفضل من الأنبياء كما يفعل البعض ليس من الإسلام في شيء, وليس هناك شيخ عارف يفرح بهذا, بل يرفضه ويمقته, ولا يحض عليه, ويعلم أن قائله به علامة من إمارات النفاق.
يتبع ……