حاجة منكري المقاصد إلى معرفة فقه المصالح في العصر الراهن


سلسلة : مقالات في الفقه الإسلامي المعاصر

بقلم الأستاذ : مهدى صالحى

رغم أن جلّ المذاهب الفقهية السنّية والشيعية تُجمع على أن أحكام التشريع دائرة حول المقاصد والمآلات إلا أنه في هذا العصر قد برزت اتجاهات ّإسلامية لم تحسن التفاعل مع النصوص وأنكرت المقاصد وهو ما أحدث انفصالا بين النص والواقع وأعاق دور العقل الفقهي في الفهم والتدبّر.

ثم إن السبب الموضوعي الذي جعل هذه الاتجاهات لاتقرّ بأهمية المقاصد في الفهم والتنزيل هو الجهل بحقيقة هذا الفقه الذي يحقق حيوية تشريعية لأن النصوص ليست أحكاما مغلقة.

ولهذا الاعتبار فإن الحاجة إلى التثقيف المقاصدي المصلحي جدّ ملحّة في العصر اليوم بما أن نصوص الشريعة معلّلة بجلب المصالح ودرء المفاسد من جهتي الوجود والعدم وهذه قاعدة كلية من قواعد الشريعة الإسلامية؛وهو ما أقرّه ابن القيم :”القرآن والسنة مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمقاصد والمصالح” فما من حُكم إلا وقدأنيط ببيان وجه المصلحة أوالمفسدة من تشريعه.

أما تغييب فقه المقاصد فهو ناجم عن فهم سطحي ظاهري حرفي للنصوص؛والتعلق بالظواهر هو طمس لأحكام الشريعة وسياقاتها ومقتضياتها.

وتكمن الحاجة إلى التثقيف المقاصدي بتحرير المرجعيات الفقهية الضيقة من التقليد اللامشروع ، ورغم أن ابن عاشور يقول:حُقّ على العامّي أن يتلقّى الحكم دون معرفة المقصد” إلا أن النفس مجبولة على حب معرفة المقصد والحكمة من الشيء ليحصل ذلك الاقتناع العقلاني منه.

إضافة إلى الحاجة اليوم إلى فقه المصالح في الفتوى والاجتهاد والخطاب الديني على وجه الخصوص فإذا كان كلّ حكم نصّي مقترن بعلّة مصلحية فإنه لاوجاهة لاجتهاد فقهي في ظل هذه الطفرة من النوازل الحادثة عندما يغيب هذا الفقه الحيّ.

أما على مستوى الخطاب الديني فإنه في إدراك الخطيب للمصالح والمآلات يمنحه رؤية حضارية استشرافية لمتطلبات الواقع والتبصر بحاجات المجتمع المتجدّدة ويحرّره من التقليد والتجريد والجمود بما أن تفشي النزعة الظاهرية من أكبر العوامل التي شكّلت أزمة في الخطاب حيث أن المضمون لايتجاوب مع لغة العصر وثقافة المجتمعات المألوفة والانضباط لهذه الأمور لايدركه إلاخطيب يمتلك وعيا مصلحيا وبصيرة بروح الشريعة حتى يتقبّل العامة ذلك الخطاب الإسلامي بما أنه يلامس واقعهم.