المبادئ الخمسة: فكرٌ جديد لبناء الإنسان والأوطان
4 أغسطس، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في زمن تمزقت فيه المبادئ، وتكسّرت فيه القيم على أعتاب المصالح، يخرج علينا صوتٌ من أعماق الأزهر، يلمّ شتات البوصلة، ويهتف نداءً للعقل والروح والضمير: “خمسُ مبادئ، بها تكتمل الرسالة، ويُعمر الوجود، وتُصان الأوطان، وتُكرَّم الأكوان”.
إنها المبادئ الخمسة التي أطلقها العالم الأزهري الجليل الدكتور أسامة الأزهري، ورفع لواءها معالي وزير الأوقاف في خطابه المتكرر، فجعل منها إطارًا حاكمًا للفهم الديني، ومِظلةً جامعةً للخطاب الدعوي، ومفتاحًا للتنمية والنهضة، وهي:
أولًا: احترام الأكوان: قال الله تعالى:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1-3].
فالأكوان ليست جماداتٍ صماء، بل هي مخلوقاتٌ مسخرةٌ بحكمة، ولها حرمة، ولها تسبيح لا يُدركه البشر: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].
والرسول ﷺ مرَّ بجذعِ نخلةٍ يأنُّ لفراقه، فكلمه وضمَّه وسكّنه.
فما أحوجنا إلى استعادة هذا الحس النبوي في احترام الطبيعة، والبيئة، والمخلوقات، والجمادات.
نعم، هو فقه الأكوان، الذي يزرع فينا الذوق، والنظافة، والرحمة، ويمنعنا من تلويث نهر، أو قطع شجرة، أو إهلاك طير.
فأكرمْ نبتةً خضراءَ وارعَ حقَّها*ففيها حياةٌ وبهجةٌ وضياءُ
ثانيًا: إكرام الإنسان: جاء في التنزيل:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].
فهذا التكريم أصلٌ ثابت، لا يزول بالاختلاف في الدين أو العِرق أو اللون.
ومن أعظم أبواب الإكرام: حسن المعاملة، ونشر العلم، وصون الكرامة، وإغاثة الملهوف.
وقد علَّمنا النبي ﷺ أن الرجل دخل الجنة في كلب سقاه، وأن المرأة دخلت النار في هرة حبستها، أليس الأولى بالرحمة من الحيوان: الإنسان!؟
أكرم الإنسانَ فهو مكرَّمٌ * مهما اختلفت ديانتُه أو لونهُ أو لسانُهُ.
ثالثًا: حفظ الأوطان:
قال ﷺ: “اللهم حبّب إلينا المدينة كحبِّنا مكة أو أشد” [متفق عليه]. وحين أُخرج من مكة، قال:
“والله إنكِ لأحبُّ بلادِ الله إليَّ، ولولا أنَّ قومَكِ أخرجوني منكِ ما خرجت”.
فحبُّ الأوطان ليس شعارًا سياسيًا، بل عقيدةٌ نبويةٌ، وسُنةٌ محمديةٌ.
حفظُ الوطن من الفتن والعدوان، والدفاع عن أرضه، وصون وحدته، هو واجب شرعي، لا يناقض الدين، بل يُنقذه من العبث باسم الدين.
فمصحفنا لا يرضى بسفك دماءنا
ولا يقبل أن تُخرب أوطانُنا بأيدينا
رابعًا: ازدياد العمران:
قال الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
أي: طلب منكم إعمارها، وليس إهمالها أو هدمها.
وإن عمارة الأرض لا تعني البناء فقط، بل كل عملٍ يضيفُ خيرًا، أو يُصلح فسادًا، أو يُنمّي الحياة:
من زراعة، وتعليم، وصناعة، وتنمية.
وكان نبينا ﷺ يقول: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها” [رواه أحمد].
حتى في لحظة النهاية.. الرسالة: اعمُر، لا تدمّر!
ابنِ طريقًا، علِّمْ تلميذًا، داوِ مريضًا
فكلُّ ذلك من نور العمران في الإسلام
خامسًا: زيادة الإيمان:
الإيمان لا يتوقف عند الحدود النظرية، بل يزيد بالطاعة والعمل والخشوع.
قال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].
وقال ﷺ: “الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” [رواه مسلم].
فكل معروفٍ، كلُّ إحسان، كلُّ خُلقٍ حسن.. هو من شُعب الإيمان.
وكل مبدأ من المبادئ الأربعة السابقة، إنما هو في حقيقته وسيلة لزيادة الإيمان.
فما أجمل أن نُعيد صياغة الإيمان بهذه المفاهيم العملية!
ازرع إيمانك في خمس: إذا احترمتَ الأكوان، وأكرمت الإنسان،
وصُنت الأوطان، وعمّرت المكان، زاد يقينُك، وسمَتْ روحُك، واستقرتْ الحياة.
خاتمة:
هذه المبادئ الخمسة ليست مجرد شعارات، بل هي مشروع فكري، ومنهج حضاري، ودعوة نبوية متجددة، لإحياء أمةٍ أُنهكتها الحروب، وأوهَنها الجهل، وأضلّها التطرف.
إنها دعوة للعلماء والخطباء والمفكرين والإعلاميين والمربّين أن يعيدوا بناء الإنسان من الداخل والخارج.
فمن أراد فقهًا يُعالج واقعًا، ويفتح أبواب المستقبل، ويُقيم صُرح الإيمان على أعمدة الجمال والعقل والعمران، فليبدأ من هنا.. من المبادئ الخمسة.