مصر… قلبُ الأمة وملاذُ الأنبياء


بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

يا مصرُ!
يا من فُتحتِ للإسلام قبل أن تُفتح، واحتضنتِ نوره قبل أن ينزل من سيوف الفاتحين، ويا من تهيأتِ للفكرة المحمدية كما تتهيأ الأرض الطيبة لبذرة النبوة…
ألا إنكِ منذ أن دخل سيدُنا عمرو بن العاص أرضك، أصبحتِ دار الإسلام الكبرى، وحامية ثغوره، وسندُ الملهوفين، وركنُ العرب حين تضيق بهم السبل.

يا مصرُ!
لولاكِ ما رُدَّت هجماتُ الصليبيين، وما انتصر المسلمون في معاركهم الكبرى…
نورُ الدين الزنكي أشرقت همّتُه من حلب، ولكن القدس ما فتحت إلا حين ضمّ صلاحُ الدين مصر، فصارت القلعة التي يُحتمى بها، والدرع التي لا تُثلم.

مصر هي الأمُّ التي لا ترد أبناءها، والأختُ الكبرى التي تُطعم أهل بيتها من جوعٍ، وتحتضنهم من خوفٍ.
إذا وقعت جراحٌ في بلاد العرب، وُجِدَت الأعين تتجه إليها، وكأنها منبعُ الشفاء.

وليس هذا خيالًا، ولا أدبًا يُنشد، بل هو واقعٌ يُدركه الغربُ قبل العرب، فهم إذا ما خططوا ليومٍ تُطوى فيه الخرائط، ابتدأوا بمصر، لأنهم يعلمون أنها الحصن الأخير إذا ضاعت القلاع.

في مصر، سيناۤءُ المباركة، حيث يلجأ سيدنا عيسى عليه السلام، مع زمرةٍ من المؤمنين، إذا دنت الفتنة الكبرى.

في مصر، نزل سيدُنا يوسفُ عليه السلام، وفتح الله عليه خزائنها، ثم جاءه يعقوب والأسباط، فوجدوا من أهلها قلبًا لا يعرف الضيق، وكرمًا لا يطلب ثمنًا.

يا مصرُ…
لولاكِ ما كانت حرب أكتوبر، ولا وقفت دولةٌ في وجه المشروع الصهيوني إلا وأنتِ في الصف الأول.

اليوم يُراد لكِ أن تحملي كلّ الحمل وحدك، أن تقاتلي عن الأمة، وتُطعمي اللاجئين، وتُرضي القانون الدولي، وتُقارع العدو…
ثم يُقال: لمَ لمْ تفعلي أكثر؟!

كُفّوا عن مصر…
كُفّوا عن لومها، وادعموها، وساعدوا شعبها ليخرج من عنق الضيق.
إن مصر التي آوت الملايين، ما زالت تحضنهم، وإن ضاقت بأبنائها، ولم تتململ يومًا من محبٍّ جاءها، أو لاجئٍ نزل فيها.

الأزهر الشريف، هذا المنارة التي ضيّع العرب قدرها، استقبل ملايين الطلاب، وعلّمهم الدين واللغة والكرامة، ولم نرَ من يدعم هذا الصرح كما ينبغي…
حتى رأينا مسلمًا أعجميًّا يقف أكبر ضباطه ليؤدي التحية لشيخ الأزهر، لأنه فهم ما جهلناه: أن الأزهر قيادة لا مدرسة.

ولولا أن سليمان الحلبي الأزهريّ أدرك أن لمصر عليه فضلًا، لما خرج من طلاب الأزهر ليغرس خنجره في صدر “كليبر”، ويكتب سطورًا من دمٍ وكرامةٍ ونور.

وهذا العز بن عبد السلام، جاء من دمشق، فوجد في مصر قومًا آمنوا بدعوته، وخرجوا خلفه، وقدموا له الجند والدم، حتى صار جيش مصر شوكةً في حلق التتار، ومنارًا في درب المستضعفين.

وهؤلاء آل بيت رسول الله ﷺ، لمّا طُردوا، وجدوا في مصر الحضنَ الذي لا يُسأل فيه عن اسمك، بل تُسأل: “هل أنت من آل طه؟” فيُقال لك: “لك في قلوبنا موطن”.

مصر…
هي البلد الذي انتهى إليه الإمام الشافعي، فأحبها وأحبته،
وهي البلد الذي لا يسكنه الناس فقط، بل تسكنه الأرواح، ويهوي إليه القلب، وكأن الإنسان حين يدخله يُولد من جديد.

ليست مصر سياحةً وأهرامات،
بل هي النبض الذي يسري في جسد الأمة،
وما إن تدخلها حتى تشعر أن هواءها لك، وأن تربتها أمك، وأن جدرانها تحفظ لك ماضياً، وتخبّئ لك مستقبلاً.

ماذا أقول لكم عن مصر؟
أأقول إنني حين أكتب عنها أشعر أن قلمي أصبح مصريًا، وأن قلبي يصرخ باسمها؟
إن مصر ليست بلدًا… بل هي روحٌ، من ذاقها لم يبرأ من حبها أبدًا.
فالله الله في مصر