العلماء ورثة الانبياء

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

ما لي أرى هذه الأيام طائفة من الأطباء – ولا أقول كلهم – قد انصرفوا إلى رسم الحياة للناس، كما لو أن عقولهم وحدها أوتيت مفاتيح الفهم، وكأنهم قد كُتِب لهم أن يكونوا فوق الجميع فقهاً ومعرفةً، فإذا بهم يتحدثون عن أهل العلم والدين كأنهم قوم من العالة على الفكر، أو كأن دورهم قد انقضى بانقضاء عصر السجلات الورقية والدواء الشعبي!

فما هذا الذي يسيل من أقلامهم؟ أهو غيرة مكتومة؟ أم هو خلطٌ بين مقدار الإبرة ومقدار الكلمة؟ أم هي نشوة الأرقام التي جعلتهم يرون أنفسهم مقياس العقل والوجود؟

ومن ذا الذي أخبر الطبيب – وهو في موضعه موقَّرٌ مشكور – أنه أرقى أهل المجتمع فهماً؟ ومن أذن له أن يمدّ لسانه إلى غير ما يعرف، ويزعم لنفسه حقّ النظر في علوم لا يُحسن حتى ألفاظها؟

أما علم أن العلوم الإنسانية هي تاج العلوم كلها؟ وأن الفلاسفة – وقد كانوا يعتبرونهم أطباء الأرواح والعقول – ما أطلقوا لفظ “العالِم” إلا على من تبحّر في هذه المعارف، لا على من تمرس في تشريح الأجسام؟ أما درى أن أشرف العلوم الإنسانية ما اتصل بالوحي؟ وأن أشرف أربابها هم حملة الشريعة الإسلامية؟

هؤلاء الذين يتكلمون في الناس من غير عِلم، نسوا أو جهلوا أن الطب نفسه ما كان ليقوم لولا الفكر الذي نظّم، والتأمل الذي وجّه، والحكمة التي رفعت الإنسان من جسد مريض إلى روح تُرشد.

إن العلوم التجريبية آلات صمّاء لا تميز الحق من الباطل، ولا الخير من الشر، ولا العدل من الظلم، ما لم تُوجّهها يد العلوم الإنسانية، وعين الشريعة، ونور الأخلاق.
فكُفّوا عن العبث بمكانة العلماء، فإن الكلمة أحيانًا أشد مضاءً من مشرط الطبيب، وإنّ الجهالة المتعجرفة لا تليق بأهل العقل، فكيف بأهل الطب؟