بقلم فضيلة الشيخ : حسين السمنودي
إمام وخطيب ومدرس على درجة مدير عام بمديرية أوقاف القاهرة
في مشهدٍ إنسانيٍّ نبيلٍ يجسِّد معاني الرحمة والدمج المجتمعي، اصطحب فضيلة الشيخ حسن محمد عبد البصير عرفة، مدير عام أوقاف مطروح، عددًا من أطفال ذوي الهمم في جولة تفقُّدية متميزة بمسجد سيدي العوَّام، أحد أعرق المساجد التابعة لإدارة أوقاف غرب مطروح، وذلك في إطار التعاون البنّاء بين وزارة الأوقاف ومكتبة مصر العامة، وتحت رعاية معالي الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، الذي لا يألو جهدًا في دعم قضايا الإنسان وتعزيز قيم المواطنة والانتماء.
بدأت الجولة في رحاب المركز الثقافي الملحق بالمسجد، حيث حرص فضيلة الشيخ على تناول وجبة الإفطار مع الأطفال داخل المركز، في لفتة أبوية مؤثرة، عكست عمق التقدير لفئة ذوي القدرات الخاصة، وعبَّرت عن رؤية الوزارة الواضحة في دمجهم في الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية دون عوائق أو حواجز. كانت الوجبة أكثر من مجرد طعام مشترك، بل كانت مائدة محبة دافئة جمعت القلوب قبل الأجساد، وأشاعت بهجة كبيرة في نفوس الأطفال وذويهم.
وخلال اللقاء، تحدّث فضيلته إلى الأطفال وذويهم عن أهمية المركز الثقافي الملحق بالمسجد ودوره المحوري في نشر التنوير والفكر المستنير، مشيرًا إلى أن هذا المركز يهدف إلى غرس القيم الإسلامية السمحة، وتعزيز مفاهيم الوسطية التي يدعو إليها المنهج الأزهري، في سبيل تكوين جيل من الأطفال المسلمين المتسامحين، الواعين، المنتمين لهويتهم الوطنية والدينية.
ثم اصطحب فضيلته الأطفال في جولة داخل مكتبة المسجد، حيث كانت الكتب تحيط بالأرواح الصغيرة كأنها أبواب من نور وكنوز من الحكمة، وبيّن لهم أهمية القراءة في بناء شخصية الإنسان، مشيرًا إلى أن المكتبات -وخاصة تلك التي تحتضنها بيوت الله- تُعد منارات إشعاع ثقافي وروحي، ووسائل فعّالة في زرع الانتماء والوعي بالقيم والأخلاق.
وفي مشهد مفعم بالخشوع والطمأنينة، عُقدت جلسة قرآنية مباركة داخل المسجد، استمع فيها فضيلة الشيخ حسن عبد البصير إلى تلاوات الأطفال لبعضٍ من قصار السور، وقد أبدى إعجابه الشديد بمستواهم الطيب، وبذل من التشجيع والدعم ما حفَّزهم على مواصلة الحفظ والتعلُّق بكلام الله عزّ وجلّ، حيث جاءت كلمات فضيلته بمثابة دفعة قوية للأطفال، تؤكد أن القرآن الكريم هو النور الذي يضيء الدرب، وهو السند الذي لا يخيب أبدًا.
وقد اختُتمت الجولة بصورة تذكارية دافئة جمعت الأطفال وذويهم مع فضيلة الشيخ، لتبقى ذكرى محفورة في قلوبهم، وتحمل رسائل متعددة للعالم أجمع، بأن وزارة الأوقاف بمصر لا تنظر إلى ذوي الهمم نظرة عطف، بل تراهم طاقة نور، وقدرة أمل، ومكونًا أصيلًا في جسد الوطن.
وكانت المفاجأة السارة في ختام اللقاء، عندما أعلن فضيلة مدير أوقاف مطروح للأطفال وذويهم عن تحويل هذا النشاط الإنساني إلى لقاء دوري ثابت، يُعقد عصر كل ثلاثاء بمسجد سيدي العوَّام، ليصبح هذا المسجد بيتًا مفتوحًا لذوي الهمم، ومركزًا متجددًا للعطاء الروحي والفكري والنفسي، يجمعهم في كنف الرعاية الأبوية والدعم المؤسسي المستمر.
لقد مثّلت هذه الجولة نموذجًا يُحتذى في رعاية ذوي الهمم، وترسيخًا لنهج الأوقاف الجديد القائم على التفاعل الميداني والمبادرات الواقعية، التي تعكس الوجه الحضاري للدين، وتُظهر أن المسجد ليس فقط محرابًا للعبادة، بل حضنًا تربويًّا وإنسانيًّا لكل أفراد المجتمع، وخاصة من يحتاجون إلى لمسة حب ويد رعاية.