الجماعات المتطرفة.. طريق الظلام


بقلم الشيخ: (نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي)
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

من أعظم المصائب التي ابتُليت بها الأمة في هذا العصر، أن يتحدث باسم الإسلام من ليس له فيه قدم صدق، وأن يُنَصّب على منابر الدعوة من لا يعرف من الدين إلا شعاراته. ظهرت جماعات متطرفة جعلت ولاءها أعمى للتنظيم، لا لله ولا لرسوله، ولا لبلاد المسلمين، تُقدِّم الجماعة على الأمة، والحزب على الوطن، والطاعة العمياء على الشريعة البيضاء.

يتظاهرون بالغيرة على الدين، وهم في الحقيقة يتخذونه سلعة للاتجار، وعَلَمًا يرفعونه وقت الحاجة لتجنيد الأتباع، أو تحريك العوام. يتاجرون بقضايا الأمة كما يتاجر السماسرة بالبضائع الكاسدة، يرفعون شعارات ظاهرها الإخلاص، وباطنها الخداع، يقولون: “الخلافة”، “التمكين”، “تحكيم الشريعة”، بينما أفعالهم لا تُفضي إلا للفتنة وسفك الدماء، كما حدث في العراق وسوريا واليمن، حيث صارت المدن خرابًا، والأشلاء عنوان “دولة الخلافة” المزعومة.

يتحدثون عن الأمة وحقوق المسلمين، وهم أول من يطعن في علمائها ويشوه صالحيها؛ إن اختلفوا مع شيخ اتهموه بالعمالة، وإن لم يبايعهم أحد وصفوه بالخيانة، وأشاعوا حوله الأباطيل!

 أمثلة من الواقع:
حين قامت بعض هذه الجماعات بالدعوة إلى “النفير العام” في بلاد المسلمين، استجاب لهم شباب مغرر بهم، فتركوا أوطانهم، وتوجهوا إلى مناطق القتال تحت شعارات الجهاد، ليتبين لاحقًا أنهم وُرِّطوا في معارك تخدم مصالح أجهزة استخباراتية لا تمت للدين بصلة. البعض منهم عاد محطمًا نفسيًّا، والبعض الآخر انتهى جثة لا يُعرف لها قبر.

لقد ابتلينا في واقعنا الحديث بجماعات تُكفّر المسلمين وتستحل دماءهم، وتحمل السلاح في وجه جيوش بلادهم، وتفجّر في المساجد والكنائس، وتُبرر قتل الأبرياء بفتاوى من بطون كتب لم يفهموها، أو من رؤوس زعماء لم يتعلموا الدين من أبوابه.

لا يُعجبهم شيء، ولا يرضيهم أحد، إن رأوا زلةً نشروها، وإن رأوا فضيلةً أنكروها، وإن لم يجدوا شيئًا اختلقوا الأكاذيب، ولبسوا الحق بالباطل، حتى صار البريء متهمًا، والوطني مشبوهًا، والعالم الرباني “صاحب هوى” بزعمهم!

يتقنون فن التلون، فتراهم بين لحظة وأخرى ينتقلون من موقف إلى نقيضه، يتحدثون عن “السمع والطاعة” ثم يتمردون، وعن “الجماعة” ثم يشقون الصف، وعن “الدعوة إلى الله” ثم ينشغلون بالطعن والسب والشتم.

 ومن الأمثلة الصارخة:

وصفهم لمفتي الديار ومشيخة الأزهر بأنهم “عملاء للطواغيت” لمجرد أنهم خالفوهم في الرأي.

استخدامهم مصطلحات مثل “الطواغيت”، و”الصحوات”، و”العلماء الرسميين” لتسقيط كل مخالف، وشيطنة كل ناصح.

قيامهم بتجنيد الأطفال والمراهقين عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وغسل أدمغتهم تحت شعارات “أنتم جنود الله”، بينما هم أدوات في أيدي أعداء الله.

حين آلت إليهم السلطة في بعض البلدان، كُشف الغطاء، وسقط القناع، وظهر للناس أن القوم لا يملكون مشروع بناء، وإنما أجندة تخريب. لا يعرفون إلا التخوين، ولا يفلحون إلا في الهدم، فإذا وُضعوا على رأس دولة أو حكومة، لم يُحسنوا إلا تكميم الأفواه، ومحاربة الحريات، وتسفيه المخالفين.

اتهموا مخالفيهم بالخيانة، وشيطنوا خصومهم، وسلّطوا جيوشًا إلكترونية لتشويه السمعة، ونشر الإشاعات، وقلب الحقائق، واغتيال الشخصيات معنويًا، حتى صار السبّ والشتم عندهم جهادًا، والطعن في الأعراض وسيلة دعوية!

تقرأ في وجوههم القسوة، وفي أعينهم الشك، وتسمع من ألسنتهم ما تنفر منه الفطرة السليمة، وتشم في كلماتهم رائحة الكِبر والادعاء، فإن خالفتهم في مسألة، أو سألتهم عن دليل، رمَوك بأنك عميل، أو منافق، أو “علماني متستر”!

هم شر فتنة ابتُلي بها المسلمون في هذا الزمان؛ لأنهم يتسترون بلباس الدين، ويتزينون بعبارات الإصلاح، وهم في حقيقتهم أهلُ غلوّ وتشدد، وبُغضٍ للمخالفين، وعداء للمصلحين!

وانظر كيف فرّقوا بين:

الأب وولده حين أقنعوا الشاب أن والده “مرتد” لأنه يعمل في الشرطة أو الجيش!

الزوج وزوجه حين أوهموا الفتاة أن الحياة مع رجل غير ملتزم بفكرهم “حرام”، فهدمت بيتها!

الجار وجاره حين صار معيار التزكية هو الولاء للتنظيم، لا الخلق والدين!

وإني لأشهد – شهادة أسأل الله أن أُسأل عنها بحق – أن ما أفسد الدين والدنيا مثل ما أفسدته هذه الجماعات، وأنهم السوس الخفي الذي ينخر جسد الأمة باسم الإسلام، والإسلام منهم براء!

“اللهم أرِنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلنا ممن يلبس الحق بالباطل وهم يعلمون.”

وبالله التوفيق، وعليه التكلان.