باب الصلاة من ديوان سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه


من ديوان أهل الذكر لسيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه

يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف

 

اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ فى اللُّغَةِ الدُّعَاءُ ، وَشَرْعَاً أَقْوَالٌ وأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بالتَّكبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بالتَّسْلِيمِ بِشَـرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ ، وَهِى أنْواعٌ : مِنْهَا مَا هُوَ فَرضٌ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ ، وَهِى الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ الظُّهْرُ وَالعَــصْرُ وَالمَغْرِبُ وَالعِشَاءُ وَالصُّبْحُ ، وَقَدْ فُرِضَتْ فِى مَكَّةَ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَةٍ عَلَي التَّرْتِيبِ المَذْكُورِ ، فَكَانَ الظُّهْرُ أَوَّلَ مَا فُرِضَ ، وَهِىَ أَجَلُّ الأَرْكَانِ بَعْدَ الشّهادَتَيْنِ ، وَدَلِيلُ فَرْضِيَّتِهَا الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ والإِجْماعُ ، أَمَا الكِتَابُ فَقولُهُ تَعَالَى: (فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ) وَقولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا ). أَمَا السُّنَّةُ فَقولُهُ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم :” خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ أَحْسَنَ وَضُوءَهُنَّ ، وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَمَنْ لَم يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَى اللهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ “، وَأَمَا الإِجماعُ فَإِنَّه لايختلفُ فى فَرضِيَّتَهَا أَحَدٌّ مِنْ المُسْلِمِينَ فَضْلَاً عَنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ ، فهى مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّـرُورَةِ ، وَجَاحِدُهَا مُرْتَدٌّ عَنْ دِينِ الإِسْلَامِ عِيَاذَاً بِاللهِ ، وَأَمَا الجُمُعَةُ فَقَدْ شُرِعَتْ بَدَلَ الظُّهْرِ ، وَهِى خَامِسَةُ يَوْمِهَا ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فَرْضُ كِفَاِيَةٍ ، وَهِى صَلاَةُ الجَنَازَةِ ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَفْلٌ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ كُتُبِ الفِقْهِ ، وَاللهُ أَعلمُ .

بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

اعْلَمْ أَنْ الشَّـرْطَ لاَبُدَّ مِنْهُ فِى صِحَّةِ الصَّلَاةِ ، وَتبْطُلُ الصَّلَاةُ بِدونِهِ ، وَالشَّـرْطُ تَعْرِيفُهُ أَن تَقُولَ هُوَ مَا وَجَبَ وَاسْتَمَرَّ ، وَشُرُوطُ الصَّلَاةِ هى بُلُوغُ دَعْوَةِ النَّبِىِّ صَلَّي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وَالعَقْلُ وَالبُلُوغُ وَالنَّقَاءُ يَعْنِى النَّظَافَةُ مِنْ دَمِ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، وَالطَّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ الأَصْغَرِ والأكْبَرِ ، وَمِنَ الخَبْثِ المَعْفُوِّ عَنْهُ فِى البَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالمَكَانِ ، وَاسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ مَعَ الأَمْنِ وَالقُدْرَةِ ، وَسَتْرُ العَورَةِ لِقَادِرٍ عَلَيهِ، وَالعِلْمُ بِدُخُولِ الوَقْتِ وَلَوْ ظَنَّاً، وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى تَرَكْتُهَا خَوْفَ الإِطَالةِ، وَاللهُ أَعْلمُ.

 بَابُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ

اعْلَمْ أَنَّ الفَرْضَ وَالرُّكْنَ بِمَعْنىً وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَمْرٌ لاَبُدَّ مِنْهُ فِى صِحَّةِ الصَّلَاةِ، يَعْنِى لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ ، وَالرُّكْنُ هُوَ : مَا وَجَبَ وَانْقَطَعَ ، فَيَصِحُّ تَدَارُكُهُ بَعْدَ تَركِهِ فِى حالَةِ الصَّلَاةِ ، أَوْ بَعْدَ انْتِهاءِ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَهُ وَالزَّمَانُ قَرِيبٌ ، فَيَدْخُلُ فى الصَّلَاةِ ويأَتِى بِهِ ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى مُقْتَـضَى مَذْهَبِهِ ، وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا ، وَفَرَائِضُ الصَّلَاةِ وأركانُ الصَّلَاةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الأئِمَّةُ فى عَدَدِهَا كالآتى :

 1- الحَنَفِيَّةُ قَالُوا : إِنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ وَهِى : القِيَامُ وَالقِرَاءةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ، فَلَا يَسْقُطُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا عِنْدَ العَجْزِ ، غَيْرَ أَنَّ القِرَاءَةَ تَسْقُطُ عِنْدَ المأْمُومِ ، لِأَنَّ الشَّارِعَ تاهَ عَنْهَا ، وَلِهَذَا سَمَّوْهَا رُكْنَاً زائِدَاً ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الرُّكْنَ إِلَى زائِدٍ وَأَصْلِىٍّ ، فالأصْلِىُّ مَا لَا يَسْقُطُ إلّا عِنْدَ العَجْزِ بِلَا خُلْفٍ ، وَالزَّائِدُ مَا يَسْقُطُ فى بَعْضِ الحَالَاتِ وَلَوْ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ ، والأَوَّلُ هُوَ القِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ، والثَّانِى هُوَ القِرَاءةُ ، أَمَّا بَاقِى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ ، فَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ :

 1- مَا كَانَ خَارِجَا عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهِى الطَّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ وَالخَبَثِ ، وسَتْرُ العورةِ وَاسْتِقْبالُ القِبْلَةِ ، وَدُخُولُ الوَقْتِ وَالنِّيَّةُ وَالتَّحْرِيمَةُ ، وَهِىَ …

 مُبْطِلَاتُ الصَّلَاةِ هى :

 1-الكَلاَمُ الأَجْنَبِىُّ عَنْهَا لِقَولهِ صلي الله عليه وسلم :” إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌمِنْ كَلامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هى التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وَقِرَاءَةُ القرآنِ ” صَدَقَ صَلَّيِ اللهُ عَلَيه وَسَلم فَتَبْطُلُ الصَّلاةُ بِالكلامِ عَمْدَاً أَوْ نِسْيَانَاً عِنْدَ الحنفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ ، وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالمالِكِيَّةُ : إِنَّ الكَلاَمَ ناسِياً لَا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهِ .

 2- والتَنَحْنُحُ إذا ظَهرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ إذا كَانَ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عِنْدَ الحنفِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ ، وَقَالَت الشَّافِعِيَّةُ : يُعْفَى عَنِ القَلِيلِ مِنَ التَّنَحْنُحِ إذا لَمْ يسْتَطعْ رَدَّهُ إلّا إِذَا كَانَ مَرَضَاً مُلَازِمَاً ، وَإلّا فَلَا يَضُـرُّ كَثِيرُهُ أيضاً وَكَذَلِكَ إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيهِ النُّطْقُ بِرُكْنٍ قَوْلِىٍّكَقِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ ، فَإِنَّ التَّنَحْنُحَ الكَثِيرَ فى هَذِهِ الحالَةِ لَا يَضُـرُّ ، وَقَالَتِ المَالِكِيَّةُ إِنَّ التَّنَحْنُحَ لَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَى حُروفٍ مُبْطِلَةٍ لِحاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِ حاجَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرَاً أَو تَلَاعُبَاً وَإلّا أَبْطَلَ .

 3- وَالعَمَلُ الكَثِيرُ أَعْنِى الحَرَكَاتِ الكَثِيرَةَ الَّتِى لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ  كَزِيادَةِ رُكوعٍ أَوْ سُجُودٍ ، فَإِنْ كَانَ عَمْدَاً أَبْطَلَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوَاً لَمْ تَبْطُلِالصَّلاةُ بِهِ مُطْلَقَاً قَلِيلَاً كَانَ أَوْ كَثِيرَاً عِنْدَ الثَّلاثَةِ ، وَقَالتِ المَالِكِيَّةُ : يُبْطِلُ الصَّلاةَ الزِّيادَةالَّتِى مِنْ جِنْسِهَا سَهْوَاً إذا كَثُرَتْ وَأَمَّا الزِّيادَةُ القَوْلِيَّةُ مِثْلُ تَكْريرِ قِرَاءةِ الفَاتِحَةِ فَلَا تُبْطِلُهَا مُطْلَقَاً ، وَلَوْ كَانَتْ عَمْدَاً يَسْجُدُ لِسَهْوٍ عِنْدَ الجميعِ .

4- التَّحَوُّلُ عَنِ القِبْلَةِ فِى الصَّلاةِ .

5- والأكلُ وَالشُّرْبُ .

6- وَالحَدَثُ .

7- وَحُدُوثُ الحَدَثِ .

8- والقَهْقَهَةُ ، أَمَّا التَّبَسُّمُفَلَا يَضُرُّ مُطْلَقَاً .

9- وَتَقَدُّمُ الـمَأْمُومِ عَلَى إِمَامِهِ بِرُكْنٍ عَمْدَاً لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ كَأَنْ يَرْكَعُ وَيرْفَعُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الإماُم ، فَإِنْ كَانَ سَهْوَاً رَجَعَ لإِمَامِهِ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ، هَذَا عِنْدَالمَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ ، وَقَالَت الحَنَفِيَّةُ : إِنَّ التَّقَدُّمَ مُبْطِلٌ لِلصَلاةِ عمَدَاً ، أَوْ سَهْوَاً إلَّا إذا لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ مَعَ الإمامِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَيُسَلِّمُ مَعَهُ أَمَّا إِن أَعَادَهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ الصَّلاَةُ ، وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ لَا تَبْطُلُ صَلاَةُ المَأْمُومِ إلَّا بِتَقَدُّمِهِ عَنِ الإمامِ بِرُكْنَيْنِ فَعِلِيَّيْنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَسَهْوٍ مَثَلَاً ، وَكَذَا لَوْ تَخَلُّفَ عَنْه بِهِمَا عَمْدَا مِنْ غَيْرِ عُذْرِ كَبُطْءِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ.

10- وَانْكِشَافُ العَورَةِ ، وُعَوْرَةُ الرَّجُلِ فى الصَّلاَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ ، والمرأةُ الحُرَّةُ جَمِيعُ جَسَدِهَا عَوْرَةٌ إلّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا ، والأمَةُ أَعْنى المرأةَ الـمُشْتراةَ بِالمَالِ كَالرِّجَالِ .

11- وَتَغْيِيرُ النِّيَّةِ كَأَنْ نَوى الظُّهْرَ مَثَلَاً ، وَفِى أَثنَاءِ صَلَاتِهِ قَصَدَ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَصَـرَاً ، مَثَلَاً ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ ، وَكَذَا لَوْ نَوى قَطْعَ الصَّلاَةِ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِهَا فَإِنَّهَا تبْطُلُ أيضاً .

12- وَالرِّدَّةُ أَعَاذَنَا اللهُ مِنَ الكُفْرِ وَأهْلِهِ .

 وَلِلصَلاَةِ مُبْطِلَاتٌ أُخْرى تَرَكْتُهَا خَوْفَ الإطالةِ ، وَذَكَرْتُ الأَهَمَّ وَهُوَ مَا يَكْثُرُ وُقُوعَهُ فى الغَالِبِ ، وَمَنْ أَرَادَ الزِّيادَةَ فَعَلَيهِ بِكُتُبِ الفِقْهِ فَلْيُرَاجِعْهَا يَجِدْ فِيهَا مَا يُبَصِّـرُهُ . وَاللهُ وَلَى التَّوْفِيقُ .