خطبة الجمعة القادمة”لله درك يابن عباس”
اعداد وترتيب الشيخ احمد عبدالله عطوه
الموافق ١٦ محرم ١٤٤٧هـ ـ الموافق ١١يوليو ٢٠٢٥م
العناصر الرئيسية :
1/ فضل ومكانة الصحابة
2/نبذة سريعة لابن عباس
3/مع إبن عباس وليلة في بيت النبي
4/أقواله ووصاياه العظيمة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ،وأحسنهم خلقاً،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ،لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي: (عبد الله بن عباس لله درك) فما أحوج أُمَّتَنا عمومًا وشبابها خصوصًا إلى معرفة حياة أعلامها ونبلائها، وتأمُّل صفاتهم وما حباهم الله تعالى به؛ ليحصُل لها الثقة والفخر في آنٍ بأعلام أمَّتها التي هي خير الأمم، وليحصل الاقتداء والتأسي بهم، والسير على نهجهم وهديهم، والتخلق بأخلاقهم، ويتحقق المرء قدر نفسه وأقدار من يعايشهم؛ فإنهم على الحقيقة هم الناس! بدلًا من التأسي والاقتداء بالنسناس، وهم الذين يشبهون الناس وليسوا بالناس؛ كما قال الحبر ابن عباس
أما عن اسمه وشرف نسبه : فهو حَبْر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان أبيض طويلاً مشربًا صفرة، جسيمًا وسيمًا، صبيح الوجه، فصيحًا. وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس رضي الله عنه قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رأيت عالمًا قَطُّ جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلاً قط سأله إلا وجد عنده علمًا. وعن أبي صالح قال: لقد رأيت من ابن عباس رضي الله عنه مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر؛ لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء ولا يذهب.
ولقد حرص ابن عباس رضي الله عنه على اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى الامام أحمد (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ كُلَّهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاس ٍ لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَلِمُهُمَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُوراً. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْتَ. ) ،ومن مناقب الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: «وإن حبر هذه الأمة لعبد الله بن عباس». وَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم كما في مسند أحمد فَقَالَ: “اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ”، وقد صحب النبي صلى اللهُ عليه وسلم نحوًا من ثلاثين شهرًا، وروى عنه شيئًا كثيرًا، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه، وكثرة فهمه، وكمال عقله، وسعة فضله، ونبل أصله، وله قرابة مع النبي صلى اللهُ عليه وسلم فهو ابن عمه، إنه ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة والمفسر لكتاب الله، وفي المستدرك للحاكم قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فَقَالَ: يَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! أَتَرَى النَّاسَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَنْ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلْتُ أَنَا أَسْأَلُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ تَسْفِي الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ، مَا جَاءَ بِكَ؟ هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ فَأَقُولُ: لَا، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ. قَالَ: فَأَسْأَلُهُ عَنِ الْحَدِيثِ. قَالَ: فَعَاشَ هَذَا الرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدِ اجْتَمَعَ حَوْلِي النَّاسُ يَسْأَلُونِي، فَيَقُولُ: هَذَا الْفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي). يقول عن نفسه: ” إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”. هكذا راح فتانا العظيم يسأل ويسأل ويسأل.. ثم يفحص الإجابة مع نفسه
ويناقشها بعقل جريء. وهو في كل يوم, تنمو معارفه وتنمو حكمته حتى توفرت له في شبابه الغضّ حكمة الشيوخ وأناتهم وحصافتهم وحتى كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يحرص على مشورته في كل أمر كبير.. وكان يلقبه بفتى الكهول..!! وقد سئل ابن عباس يوما:” أنّى أصبت هذا العلم”.. فأجاب:” بلسان سؤول. وقلب عقول”.. وَثَبَتَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما في صحيح البخاري أَنَّهُ قَالَ: كُنتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ المُستَضعَفِينَ ، وفي رواية أخرى: أَنَّهُ تَلاَ: ﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ﴾ [النساء: 98]، قال: كُنتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّن عَذَرَ اللهُ). وهاجر مع أبيه قبل الفتح فاتفق لقياهما النبي صلى اللهُ عليه وسلم بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة فشهد الفتح وحنينًا والطائف عام ثمان وقيل: كان في سنة تسع وحجة الوداع سنة عشر، وصحب النبي صلى اللهُ عليه وسلم من حينئذ ولزمه، وأخذ عنه وحفظ، وضبط الأقوال، والأفعال، والأحوال، وأخذ عن الصحابة علمًا عظيمًا مع الفهم الثاقب، والبلاغة، والفصاحة، والجمال والملاحة، والأصالة، والبيان . وروى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ: “كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ: ﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح ﴾، وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ” .وَقَالَ المُهَاجِرُوْنَ لِعُمَرَ: أَلَا تَدْعُو أَبْنَاءنَا كَمَا تَدْعُو ابْنَ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ؛ إِنَّ لَهُ لِسَانًا سَؤُولًا، وَقَلْبًا عَقُوْلًا). وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما: قَالَ لِي أَبُو العَبَّاسِ: يَا بُنَيَّ! إِنَّ عُمَرَ يُدنِيكَ، فَاحفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا: لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يُجَرِّبَنَّ عَلَيْكَ كَذِبًا[ . قال الشعبي: قلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف، فقال ابن عباس: بل كل واحدة خير من عشرة آلاف.قال ابن كثير: وقد استنابه علي على البصرة، وأقام للناس الحج في بعض السنين فخطب بهم في عرفات خطبة، وفسر فيها سورة البقرة، وفي رواية سورة النور، قال من سمعه: فسر ذلك تفسيرًا لو سمعته الروم، والترك، والديلم لأسلموا، قال طاووس: ما رأيت أحدًا أشد تعظيمًا لحرمات الله من ابن عباس، وقال أبو رجاء: رأيت ابن عباس، وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء. وقال مجاهد: كان ابن عباس يُسَمَّى البحر لكثرة علمه، وقال عطاء: ما رأيت مجلسًا قط أكرم من مجلس ابن عباس، أكثر فقهًا، ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر عنده يسألونه، فكلهم يصدر في واد واسع. ووصفه مسلم من أهل البصرة, وكان ابن عباس قد عمل واليا عليها للإمام عليّ ابن أبي طالب, فقال: ” انه آخذ بثلاث, تارك لثلاث..آخذ بقلوب الرجال إذا حدّث.. وبحسن الاستماع إذا حدّث.. وبأيسر الأمرين إذا خولف.. وتارك المراء.. ومصادقة اللئام.. وما يعتذر منه”..