ظللت أستغفر ثلاثين سنة .. بيان منهج الصالحين مع دقائق الذنوب


مبحث بعنوان ( ظللت أستغفر ثلاثين سنة .. بيان منهج الصالحين مع دقائق الذنوب )
للشيخ : رضا الصعيدى 
إمام وخطيب بوزارة الاوقاف

عناصرالموضوع :

كيف عظمت دقائق الذنوب في قلوب الصالحين ؟
وكيف نوظف الفكرة في تعظيم حرمة المال العام ؟
 وما خطورة محقرات الذنوب ؟
وما الواجب علينا ؟
مع ذكر مواقف من حياة الصالحين ….

المقدمة :

قال  السَّريَّ السَّقَطيَّ رضي الله عنه  : منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي: الحمد لله مرة، قيل: وكيف ذاك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد فقال لي: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيرًا مما للمسلمين”. [تاريخ دمشق لابن عساكر].

يلامس السّرِيّ رحمه الله في هذه القصة الرفيعة جوهرَ الأخلاق الإسلامية، وهو اتساع القلب للمسلمين جميعًا، ورفض تمييز النفس عنهم في مواقع البلاء، فمجرّد أن نجا متجرُه دون متاجر الناس جعله يستشعر أنه فرِحَ لنفسه بشيء لم يتحقق لغيره، فظلَّ ثلاثين سنة يستغفر من هذا الخاطر، لا لحرمةِ الكلمة نفسها، ولكن لِمَا أحسّ في قلبه من تفضيل النفس على عموم المسلمين..وإذا كان أهل الله يخافون من مجرّد خاطر قلبيٍ يفضّل النفس على غيرها، فكيف بمن يمدُّ يده إلى المال العام الذي هو ملك لأمَّة بأسرها؟!

ويقصد بالمال العام: موارد الدولة، وخيراتها، ومقدّراتها، وعليه فتحرم أموال الأمة على الأمين ويحرم عليه التحايل على الحرام بأي صورة مثل :

  • الاختلاس أو السرقة من ميزانيات الدولة….الرشوة مقابل تسهيلات أو خدمات.

  • الإسراف والتبذير في الإنفاق الحكومي دون مبرر….استغلال المنصب للحصول على مكافآت أو امتيازات غير مستحقة….إهمال الأصول العامة أو استخدامها لأغراض شخصية.

لماذا يجب الحفاظ على المال العام؟

  1. لأنه حق مشترك لكل المواطنين.

  2. لأن الاعتداء عليه يسبب الظلم والحرمان لفئات المجتمع.

  3. لأن الاعتداء عليه يؤدي إلى ضعف الخدمات العامة وفساد المؤسسات.

  4. لأنه يعرض المعتدي عليه لعقوبة دنيوية وقانونية وأخروية.

تنبيه :

تتجلى روعة هذا الموضوع إذا ربطنا  بينه وبين استقبال شهر رجب …  وشهر رجب أحد الأشهر الحرم، حيث يعظم الذنب وتعظم المحاسبة عليه .

مواقف من حياة الصالحين من زاد الخطباء: 

مع الصديق :

عَنْ سيدنا الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: “يَا عَائِشَةُ انْظُرِي اللِّقْحَةَ الَّتِي كُنَّا نَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا، وَالْجِفْنَةَ الَّتِي كُنَّا نَصْطَبِحُ فِيهَا، وَالْقَطِيفَةَ الَّتِي كُنَّا نَلْبَسُهَا، فَإِنَّا كُنَّا نَنْتَفِعُ بِذَلِكَ حِينَ كُنَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا مِتُّ فَارْدُدِيهِ إِلَى عُمَرَ”، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِيَ اللهُ عَنْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكَ. [رواه الطبراني في “المعجم الكبير”].

درهم من بيت المال في يد ابن عمر:

روى قَتَادَة فقَالَ: “كَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ عُمَرَ فَكَنَسَ بَيْتَ الْمَالِ يَوْمًا، فَوَجَدَ فِيهِ دِرْهَمًا فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنٍ لِعُمَرَ، قَالَ مُعَيْقِيبٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى بَيْتِي، فَإِذَا رَسُولُ عُمَرَ قَدْ جَاءَنِي يَدْعُونِي فَجِئْتُ، فَإِذَا الدِّرْهَمُ فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا مُعَيْقِيبُ أَوَجَدْتَ عَلِيَّ فِي نَفْسِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: قُلْتُ مَا ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تُخَاصِمَنِي أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدِّرْهَمِ” [رواه ابن أبي الدنيا في “الورع”].

خشية عمر بن عبد العزيز من رائحة مسك من بيت المال :

 كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما يُقرَّب إليه مِسك من بيت المال ليقسمه، فكان يسد أنفه حتى لا تصل إليه الرائحة، فيُقال له: يا أمير المؤمنين، إنما هي رائحة! فيقول: “وهل ينتفع منه إلا برائحته؟”، وكان يأتيه كتاب من أحد ولاته يطلب مالًا لبناء سور حول عاصمة ولايته، فيرد عليه عمر: “وماذا تفعل بالسور؟ حصّنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم”.

شمعة اليتامى :

وعن عمرو بن مُهاجرٍ، “أنَّ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ كانَ يُسْرَجُ عليهِ الشَّمْعَةُ ما كانَ في حَوائجِ المسلمينَ، فإذا فَرَغَ من حوائجهِمْ أطفأَها، ثمَّ أَسْرَجَ عليهِ سِراجَهُ” [رواه ابن زنجويه في “الأموال”].

أدِقّ قلمك ‌وقاربْ ‌بين ‌أسطرك حتى لا تضيع أوراق المسلمين :

وعن حفص بن عمر بن أبي الزّبير قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: “أمّا بعد: فكتبتَ تذكر أنّ القراطيس التي قِبَلَك قد نفدتْ، وقد قطعنا لك دون ما كان يُقطع لمن كان قبلك، فأدِقّ قلمك ‌وقاربْ ‌بين ‌أسطرك، واجمع حوائجك، فإنّي أكره أن أخْرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به” [حلية الأولياء].

حرمة شعاع الجار :

جاءت أخت بشر الحافي إِلَى أَحْمَد ابْن حنبل رضي الله عنهما وَقَالَتْ: “إنا نغزل عَلَى سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية ويقع الشعاع عَلَيْنَا، أفيجوز لنا الغزل فِي شعاعها؟ فَقَالَ أَحْمَد: من أَنْتَ عافاك اللَّه تَعَالَى، فَقَالَتْ: أخت بشر الحافي فبكى أَحْمَد وَقَالَ: ‌من ‌بيتكم ‌يخرج ‌الورع الصادق، لا تغزلي فِي شعاعها” [الرسالة القشيرية].

صور من دقائق الذنوب المهلكة من زاد الخطباء:

حرمة المخيط :

عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «مَن استعمَلْنَاهُ منكم على عمَلٍ، فَكَتَمَنا مَخِيطاً فما فوقَه؛ كانَ غُلُولاً يأتي به يومَ القيامةِ». [رواه مسلم] قال ابن الملَك: “وفي الحديث: تحريضٌ للعمال، على الأمانة وتحذير من الخيانة وإن كانت في شيء قليل”. [شرح المصابيح].

حرمة اقتطاع شبر من أرض الغير :

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» [رواه مسلم].

لَحْمٌ نَبَتَ من سُحتٍ .. النَّارُ أَولَى به:

عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «… يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» [رواه الترمذي وحسنه].

فالسُّحت: كل مال خبيث محرم، ويدخل فيه الرشوة، والغُلول، والسرقة، وأكل أموال الضعفاء، وكل مال يأخذه الإنسان بغير وجه حق…وإذا كان هذا الوعيد الشديد يلحق من نبت لحمه من مال حرام خاص، فكيف بمن يقتات على المال العام الذي يتعلق بحقوق الملايين؟!

تجمع الذنوب:

لا شك أن الذنب سيكون أعظم، والحرمة أشد وآكد، وسيكون الجميع خصماء له يوم القيامة؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ سيدنا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» [رواه مسلم].

 شَّمْلَةَ تَشْتَعِلُ نَارًا:

فالمال العام نار تكاد تحرقك إن لم تتق الله تعالى فيه، وهو من الغلول المحرم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إِلَّا الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَمْوَالَ، قَالَ: فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ وَادِي الْقُرَى، وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا»، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ» أَوْ قَالَ: «شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» [رواه البخاري].

بِقَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ:

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» [رواه مسلم].

الواجب علينا ( من زاد الخطباء) :

المبادرة بالتوبة :

فمَنْ سوَّلَتْ له نفسُه فأخَذ مالًا من المال العام بأي وسيلة، فعليه أن يتوب إلى خالِقه قبل الممات، وأن يتحلل من هذا المال الحرام بإعادته إلى خزينة الدولة بمثله أو بقيمته إن كان متقوماً.

تذكر موقف العبد يوم القيامة :

فلتعلم أن الله تعالى سائلك يوم القيامة عن “المال العام”، فأعد للسؤال جوابًا؛ فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» [رواه الترمذي وحسنه].

لا تستخف بالذنب :

اجعل بينك وبين الحرام حجابًا، ولتكن في عملك خادمًا للخلق مساعدًا لهم، واعلم أن تضييع المال العام من أبشع الجرائم؛ لأن الموظف مؤتمن عليه، فوجب عليه أن يراعي ما تحت يده وإلا كان خائنًا للأمانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: ٢٧].

اياكم ومحقرات الذنوب

قال المناوي -رحمه الله-: (محقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالْمُحَقَّرَاتِ» – إسناده صحيح: أخرجه أحمد (2/ 368)…  يقول ابن القيم: إذا يئس الشيطان من إيقاع الإنسان في ارتكاب الكبائر، فإنه يدعوه إلى ارتكاب الصغائر التي إذا اجتمعت على الإنسان ربما أهلكته – التفسير القيم ص613.

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “إن العبد إذا أخطأ نُكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا نزَع واستغفر وتاب صُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تَعلو قلبَه، وهو الران الذي ذكر الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14] – صحيح الترمذي 2654.

خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيرَهَا    وَكَثِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى

كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَرَى

لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً   إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

قال ابن بطال: المحقرات إذا كثرت صارت كبارًا مع الإصرار- فتح الباري ج11، ص 337.

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنَعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات” – البخاري ج5، ح 6127.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا – أي بيده – فذبَّه عنه”  – أخرجه أحمد (1/ 383) (3629، 3627)، والبخاري، (8/ 83)، ومسلم، (8/ 92).

وعن بلال بن سعد قال: لا تنظر إلى صِغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عِظَم مَن عصيت – سير أعلام النبلاء، 5-91… وقد ذكر أهل العلم أن الصغيرة قد يَقترن بها من قلة الحياء وعدم المبالاة، وترك الخوف من الله، مع الاستهانة بها – ما يُلحقها بالكبائر، بل يجعلها في رُتبتها، ولأجل ذلك لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

ونقول لمن هذه حاله: لا تنظر إلى صِغر المعصية، ولكن انظر إلى عِظَم مَن عصيت.

إنها محقرات الذنوب التي حملت مَن قبلنا على ترك دينهم، والانسلاخ من عقيدتهم، قيل لحُذَيْفَةَ بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أفِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَرَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ دِينَهُمْ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أُمِرُوا بِشَيْءٍ تَرَكُوهُ، وَإِذَا نُهُوا عَنْ شَيْءٍ رَكِبُوهُ، حَتَّى انْسَلَخُوا مِنْ دِينِهِمْ كَمَا يَنْسَلِخُ الرَّجُلُ مِنْ قَمِيصِهِ – الداء والدواء (ص: 50).

قَالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: يَا مَغرُورًا بِالأَمَانيِّ، لُعِنَ إِبلِيسُ وَأُهبِطَ مِن مَنزِلِ العِزِّ بِتَركِ سَجدَةٍ وَاحِدَةٍ أُمِرَ بها، وَأُخرِجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ بِلُقمَةٍ تَنَاوَلَهَا، وَحُجِبَ القَاتِلُ عَنهَا بَعدَ أَن رَآهَا عِيَانًا بِمَلءِ كَفٍّ مِن دَمٍ، وَأُمِرَ بِقَتلِ الزَّاني أَشنَعَ القِتلاتِ بِإِيلاجِ قَدرَ الأَنمُلَةِ فِيمَا لا يَحِلُّ، وَأُمِرَ بِإِيسَاعِ الظَّهرِ سِيَاطًا بِكَلِمَةِ قَذفٍ أَو بِقَطرَةٍ مِن مُسكِرٍ، وَأَبَانَ عُضوًا مِن أَعضَائِكَ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ، فَلا تَأمَنْهُ أَن يَحبِسَكَ في النَّارِ بِمَعصِيَةٍ وَاحِدَةٍ مِن مَعَاصِيهِ ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ [الشمس: 15] – الفوائد لابن القيم (ص: 63).

قال الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقال الله -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار:10–12].

قال تعالى : ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) | من سورة النور ،  فكن يا عبد الله خائفاً من ذنبك، غير مستهينٍ به، فإنَّ الاستهانة بالذنوب من علامة الهلاك، وكلَّما صغر الذنب في عين فاعله عظم عند الله، لمَّا نزل الموت بمحمد بن المنكدر -رحمه الله- بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: “والله ما أبكي لذنبٍ أعلم أنَّي قد أتيته، ولكنَّي أخاف أن أكون أذنبت ذنباً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم”…قال ابن الجوزي -رحمه الله-: “واعلم أنَّه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب، فإنَّ العقوبة تتأخر، ومن أعظم العقوبة ألا يُحسَّ إنسانٌ بها”(صيد الخاطر: 194).

آثار محقرات الذنوب في الإنسان:

 1- ضياع البركة في الحياة والرزق:

 قد يكون رزق المسلم موجودًا، لكن قلة البركة تجعله غير محسوسٍ أو غير كافٍ، حتى مع الامتلاك.

 2- حجب استجابة الدعاء:

 كما ورد في حديث صحيح: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله طيِّبٌ لا يَقبَل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى» : ﴿ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ﴾ [البقرة: 172]، «ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومَطعمه حرامٌ، ومَشربه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له» ؟!))؛ (رواه مسلمٌ) .

3- قسوة القلب وكسل الجوارح عن الطاعة:

الذنوب الصغيرة تؤدي إلى تهييج القلب على المعاصي، وتَحرِم العبد من أن يَعبُد الله بخشوعٍ أو اجتهادٍ.

4- عدم قَبول العمل الصالح:

العمل الذي يُرتكَب من مال حرامٍ، أو بضميرٍ ملوَّث لا يُقبَل عند الله.

5- عقوبات دنيوية :

 قد يُرفع العلمُ عن النفس، أو تَحدُث له بعضُ المكاره؛ كبترٍ في الجسد، أو ابتلاءات تكون رسالة تحذير، وهذا واردٌ مذكور بين الناس؛ إذ يقول أحدُ الأطباء: بترتُ اليوم قدم شخص مصاب بالسكري، والبداية كانت من سرقة حذائه في صلاة الجمعة، فجُرح وهو راجع إلى البيت حافيًا، ولم تلتئم جراحه … مع أن السارق يظن أن الذنب صغير. نصائح لتجنُّب مُحقرات الذنوب: قال الله تعالى في وصف المتَّقين: ﴿ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} ﴾ [آل عمران: 135، 136]. اجتهِد في مراقبة الله في كل لحظة حتى في الخلوات. اجتهِد في الاستغفار، فالله رحيم يقبل التوبة. لا تستهِن بذنوبك حتى لو كانت صغيرة في عينك. سارِع إلى التوبة قبل أن تُهلِكك الذنوب يوم القيامة. أَحِطْ نفسك بمن يذكِّرك بالله تعالى، وابتعِد عن مجالس تُسهِّل المعاصي.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ ))- رواه البخاري (2365) ومسلم (2242).

 قَالَ: (( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ)) – رواه أحمد (1/ 402) وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 523).

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَنَّهُ قَالَ: يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ لِمَا تَأْمَنُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ وَلِمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ؟ ، وَقِلَّةُ حَيَائِك مِنْ مَلَكِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ الَّذِي عَمِلْتَهُ، وَفَرَحُك بِالذَّنْبِ إذَا ظَفِرْتَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ، وَضَحِكُكَ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِك أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ، وَحُزْنُك عَلَى الذَّنْبِ إذَا فَاتَك أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ، وَخَوْفُك مِنْ الرِّيحِ إذَا حَرَّكَتْ سِتْرَ بَابِك وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ وَلَا يَضْطَرِبُ فُؤَادُك مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إلَيْك أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ – الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 20).

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، تَعْنِي قَصِيرَةً، فَقَالَ: (( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ )) – رواه أبو داود (4875) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 914).

إنها محقرات الذنوب التي حذَّر منها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أحبَّ الناس إليه الصديقة بنت الصديق، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ طَالِبًا )). (رواه أحمد (6/ 70) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 521))   ومصداق ذلك في قوله تعالى{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [الزلزلة: 8].

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )) – رواه البخاري (6478).

عن أبي هريرة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى ذَنْبٍ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا أَقْصِرْ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ، فَيَقُولُ: خَلِّنِي وَرَبِّي، حَتَّى وَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَبَدًا، وَلَا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا، أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَحْظُرَ عَلَى عَبْدِي رَحْمَتِي؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ، قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ )). ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ – رواه أحمد (2/ 323)  وأبو داود (4901) وصححه الألباني في  صحيح الجامع (2/ 821).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما-، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» – رواه البخاري (218) ومسلم (292).

عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ)) – رواه الطبراني (486)  .

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: (( يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ ))، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.- رواه مسلم (2090 )  .

فاعلَم أن الاستهزاء بصغائر الذنوب أو التقليل منها، هو طريق مُظلم يُوصِّل إلى الضياع إن لم يُتدارَك؛ قال الإمام الغزالي: “صغائر المعاصي يَجر بعضُها بعضًا حتى تَهدِم أصلَ الإيمان”. فلنكن واعين، ولنَعِظ أنفسنا، ولنجعل الذنوب مهما صغُرت بابًا للتوبة لا للبَغضاء، ونسأل الله أن يَحميَنا منها، ويَجعلَنا من الذين إذا عمِلوا ذنبًا تذكَّروا الله فتابوا.

 قَالَ طَبِيبُ الْقُلُوبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ -رحمه الله-:

رَأَيْت الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ. . . وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمَانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ. . . وَخَيْرٌ لِنَفْسِك عِصْيَانُهَا

قال تعالى: [وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً] (الكهف: 49).

الخطبة الثانية

التفكك الأسري

إن التفكك الأسري ظاهرة اجتماعية متنامية تؤثر سلبًا على بنية المجتمع واستقراره، وتنعكس على صحة أفراد الأسرة النفسية والاجتماعية، ويشمل التفكك الأسري الانفصال، الطلاق، التنافر الأسري، وضعف التواصل بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة على الأطفال والزوجين والمجتمع ككل…وتهدف مبادرة “صحح مفاهيمك” إلى توعية المجتمع بأسباب التفكك الأسري وآثاره، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تؤدي إليه، من خلال خطاب دعوي وتوعوي يركز على قيم الأسرة والتماسك الأسري.

اللهم لا تعذب جمعًا التقى فيك ولك، ولا تعذب ألسنًا تخبر عنك، ولا تعذب قلوبًا تشتاق إلى لذة النظر إلى وجهك الكريم…