خطبة بعنوان ( فظللتُ أستغفر الله منها ثلاثين سنة) للدكتور أيمن حمدى الحداد
15 ديسمبر، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( فظللتُ أستغفر الله منها ثلاثين سنة)
للدكتور : أيمن حمدى الحداد
نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين فتح باب الرحمة والغفران لمن تاب وأناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير من تاب وأناب، اللهم صل وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه، ومن أتبع هداهم إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد أمر الله عز وجل عباده بالاستغفار وحثُّهم عليه؛ قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(البقرة: ١٩٩)، وقال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾(هود: ٩٠)، وقال تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾(فصلت: ٦)، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «مَن قال: أسْتغفِرُ اللهَ الذي لا إلَه إلا هو الحَيُّ القَيُّومُ وأتُوبُ إِليْهِ غُفِرَ لهُ وإنْ كان فَرَّ من الزَّحْفِ» رواه الطبراني في المعجم الكبير.
♦ أولاً: فضائل الاستغفار؛ إن للاستغفار فضائل جليلة وعظيمة من ذلك؛
– مغفرة الذنوب صفة من صفات الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(الحجر: ٤٩)، وقال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾(الكهف: ٥٨)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾(البروج: ١٤)،
– الاستغفار تتنزل به الرحمات؛ إن رحمةُ اللهِ عز وجل تغلبُ غضَبَهُ قال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾(الأنعام: ٥٤)،
قال ابنُ كثيرٍ في تفسير الآية: أوجبَ الله الرحمة على نفسِه الكريمةِ تفضُّلاً منه وإحساناً وامتناناً، وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ لما قَضَى الخلْقَ كتبَ عندَهُ فوقَ عرشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» رواه البخارى.
– الإستغفار هو الأمان الباقى؛ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾(الأنفال: ٣٣)،
قال ابن عباس رضى الله عنهما: «كان فيهم أمانان النبي ﷺ والاستغفار، فذهب النبي ﷺ وبقي الاستغفار»، تفسير ابن كثير.
– الاستغفار يمحو الذنوب؛ قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: «كنتُ إذا سمعتُ من رسول الله ﷺ شيئًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه»، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما مِن مسلم يُذنِب ذَنبًا، ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب؛ إلّا غَفَرَ له». وقرأ هاتين الآيتين: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، ﴿والَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾(آل عمران: ١٣٥)، رواه أحمد وابن حبان وصححه.
قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه:«إنّ في القرآن لآيتين، ما أذنب عبد ذنبًا، ثم تلاهما واستغفر الله؛ إلا غفر له قوله تعالى: ﴿وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾(النساء ١١٠)، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(آل عمران : ١٣٥)﴾»، رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الكبير.
– الاستغفار دعاء نافع؛ فعن أَبِى بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي؟ قَالَ: «قُلِ اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيراً وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» رواه البخارى.
– الإستغفار هو الدواء؛ قال الربيع بن خثيم لأصحابه: أتدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا، قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ثم لاتعود»، حلية الأولياء.
– الإستغفار وصية الصالحين؛ فعن بكر بن عبد الله المزني يقول: لقيت أخًا لي من إخواني الضعفاء فقلت: يا أخي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول؛ غير أنه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر عن الحمد والاستغفار وابن آدم بين نعمة وذنب ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر ولا الذنب إلا بالتوبة والاستغفار.
قال الحسن: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلا تملوا من الاستغفار.
وقال الأوزاعى: قال إبليس لأوليائه: من أي شيء تأتون بني آدم؟ فقالوا: من كل شيء. قال: فهل تأتونهم من قبل الاستغفار؟ فقالوا: هيهات ذاك شيء قُرِنَ بالتوحيد. قال: لأبُثَّنَّ فيهم شيئاً لا يستغفرون الله منه. قال: فبث فيهم الأهواء.
فالذنوب حجاب بين العبد وربه، وقد جعل الله عزّوجل باب الاستغفار مفتوح لعباده المذنبين المستغفرين فإن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
– الاستغفار باب الفرج؛ فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» رواه أبو داود.
وعن ابن صبيح قال: «شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال له: استغفر الله. فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار!! فقال: ما قلت من عندي شيئاً إن الله عز وجل يقول في سورة نوح: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾( سورة نوح: ١٠-١٢)،
– من خُتم له بالاستغفار دخل الجنة؛ فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «سيِّدُ الاستغفارِ أن يقولَ العبدُ اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ خلَقتَني وأَنا عبدُكَ وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطَعتُ أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ وأبوءُ بذَنبي فاغفِر لي فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ من قالَها حينَ يصبحُ موقنًا بِها فماتَ من يومه دخلَ الجنَّةَ ومن قالَها حينَ يمسي موقنًا بِها فَماتَ من ليلتِهِ دخلَ الجنَّةَ» رواه البخارى.
♦ثانياً: استغفار الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام؛
– استغفار سيدنا رسول الله ﷺ رغماً من أنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ قال تعالى:﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾(الفتح: ١-٢)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً» رواه البخارى.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إن كنا لنعد لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم» رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله ﷺ :«يسكُتُ بين التكبيرِ وبين القراءةِ إسكَاتةً»
فقلت: بأبي وأمي يا رسولَ الله، إسكاتُك بين التكبيرِ والقراءةِ ما تقولُ؟ قال: «أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خَطايَاي، كما باعدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نَقِّنِي من الخطَايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَسِ، اللهم اغسِلْ خطَاياي بالماءِ والثلجِ والبرَدِ» متفق عليه.
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله ﷺ يُكثِرُ أن يقولَ في ركوعِه وسجودِه: «سبحانَك اللهمَّ ربَّنَا وبحمدِك، اللهمَّ اغفِرْ لي» متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله ﷺ كان يقولُ في سجودِه: «اللهمَّ اغفِرْ لي ذنبِي كلَّه دِقَّه، وجِلَّه، وأولَه وآخرَه وعلانيتَه وسِرَّه» رواه مسلم.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: «كانَ رسولُ الله ﷺ إذا انصرفَ من صلاتِه استغفرَ ثلاثًا، وقال: اللهمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ، تباركتَ ذا الجلالِ والإكرامِ» رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كانَ النبيُّ ﷺ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قالَ: «اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ» رواه البخارى.
– استغفار آدم وحواء عليهما السلام لما خالفا أمر الله عز وجل وأزلهما الشيطان، وأوقعهما في الخطأ، بادرا بالاستغفار والتوبة والندم؛ قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(الأعراف: ٢٣)،
– استغفار نبى الله نوح عليه السلام حين سأل الله تعالى أن يُنجي ابنَه، عدَّ هذا السؤال ذنباً يُوجِب الاستغفار؛ قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِين﴾(هود: ٤٧)، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾(نوح: ٢٨)،
– استغفار خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾(الشعراء: ٧٨ – ٨٢)،
– استغفار كليم الله موسى عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(القصص: ١٦)، وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الراحمين﴾(الأعراف: ١٥١)،
–استغفار داود عليه السلام؛ قال تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾(ص: ٢٤)،
– استغفار سليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾(ص: ٣٥)،
– استغفار نبى الله يونس عليه السلام حين نادي في الظلمات: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(الأنبياء: ٨٧)،
– أبناء يعقوب عليه السلام يسألونه أن يستغفر لهم؛
قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(يوسف: ٩٧-٩٨)،
♦ ثالثاً: أسباب المغفرة؛ إن لمغفرة الذنوب أسباباً يجب على العبد أن يحرص عليها من ذلك؛
– التوحيد من أعظم أسباب المغفرة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾(النساء: ١١٦)، وعن عبدالرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: أتى النبي ﷺ شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا – أي: متكئًا على عصا- حتى قام بين يدي النبي ﷺ فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم- لأهلكَتْهم- أَلَهُ من توبة؟ فقال – ﷺ -: هل أسلمت؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: نعم، وغدراتك وفجراتك، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار» رواه أحمد.
– اتِّباع هدى سيدنا رسول الله ﷺ قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(آل عمران: ٣١)،
– تقوى الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إَن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾الأنفال: ٢٩)، ولقد عَرَّف الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه التقوى بقوله: « التقوى هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيل، والرِّضا بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرَّحيل»، فخشية الله عز وجل في السر والعلانية من أعظم أسباب المغفرة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾(يّس: ١٢)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾(الملك: ١٢)،
– المدوامة على ذكر الله عز وجل؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» رواه الترمذي.
– الندم والإفتقار والخضوع والذل بين يدي الملك جل جلاله من أعظم أسباب المغفرة؛ لقد أصاب أهل الأندلس قحط، فجاء رسول من الخليفة، أو السلطان إلى القاضي آنذاك، وهو المنذر البلوطي، يدعوه فيه للخروج، يعني: أن الملك الناصر لدين الله يدعوه لأن يخرج معهم للاستسقاء في هذا الجدب، فلبس الملك في هذا الجدب ثوباً خشناً، وبكى واستغفر، وتذلل لربه، وقال: ناصيتي بيدك لا تعذب الرعية بي، لن يفوتك مني شيء يناجي ربه، ويقول: لا تعذب الرعية بي، فبلغ هذا الكلام إلى القاضي المنذر البلوطي، فتهلل وجهه، وقال: إذا خشع جبار الأرض يرحم جبار السماء، فاستسقوا، ورحموا.
وهذا من عظيم ستر الله تبارك وتعالى على من يعصيه، وقبوله توبة التائبين؛ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(الزمر: ٥٣)، وقال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً؛ فاستغفروني أغفر لكم» رواه مسلم.
– الخوف من الذنوب من أهم أسباب المغفرة؛ فعن الحارث بن سويد قال: قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: «إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا، فطار» رواه الترمذى.
قال عبدالله بن شقيق: الرجال ثلاثة: رجل عمل حسنة فهو يرجو ثوابها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة، والثالث: الرجل الكذاب يتمادى في الذنوب ويقول أرجو المغفرة، ومن عرف نفسه بالإساءة ينبغي أن يكون الخوف غالباً على رجائه.
وعن الحسن قال: إن الرجل يذنب الذنب فلا ينساه وما يزال متخوفاً منه حتى يدخل الجنة.
– العفو عن الناس؛ إن العفو عن الناس من أهم أسباب المغفرة؛ قال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(النور: ٢٢)، لقد عفا الصديق رضى الله عنه عن مسطح بن أثاثة طمعاً فى مغفرة ربه جل وعلا. وكان مسطح قد خاض فى عرض عائشة رضي الله عنها حيث ردد ما أشاعه المنافقون من حديث الإفك فلما علم أبوبكر الصديق رضى الله عنه بذلك أقسم ألا ينفق على مسطح بعدها.
– الصبر على البلاء؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ»
رواه البخارى ومسلم.
وعنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ» رواه الترمذى.
– كثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً» رواه مسلم.
وعنه قال: قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» رواه مسلم.
–المحافظة على الأذكار عقب الصلوات المفروضة؛
فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» رواه مسلم.
– الذكر بعد الوضوء؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:«ما مِن مُسلمٍ يتَوضَّأُ فيُحسِنُ الوضوءَ ثمَّ يقولُ أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورَسولُه إلَّا فُتِحتْ لهُ ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يدخُلُ مِن أيِّها شاءَ» رواه مسلم.
– الذكر عند الفراغ من الطعام؛ فعن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «من أكَلَ طَعامًا فقال: الحمدُ للهِ الذي أطعَمَني هذا الطَّعامَ ورَزَقَنيه من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنْبِه، ومَن لَبِسَ ثوبًا فقال: الحمدُ لله الذي كساني هذا ورَزَقَنيه من غيرِ حَولٍ مِنِّي ولا قوةٍ، غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه وما تأخَّر» رواه أبو داود.
فاتقوا الله عباد الله: واستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن الاستغفار مشروع في كل الأوقات والأحوال، وإن من أجل أوقات الاستغفار وقت السحر.
♦رابعاً: ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾(الذريات: ١٥-١٨)، ووقت السحر يكون في الثلث الأخير من الليل لحين طلوع الفجر، ففيه تتنزل الرحمات والبركات من الله عز وجل، ويشعر المسلم بالسكينة والطمأنينة التي تغمر قلبه، ويشرق النور على وجهه، بتقربه إلى خالقه الذى يناجيه بما يشاء؛ فعن عمرو بن عبسة قال: قلت يا رسول الله، هل من ساعة أقرب من الأخرى، أو هل من ساعة يبتغى ذكرها؟ قال ﷺ: «أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ فإِنِ استطعْتَ أن تكونَ ممن يذكرُ اللهَ في تلْكَ الساعَةِ فكُنْ» رواه الترمذي والنسائى.
وقال رسول الله ﷺ قال: «ينزلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَاءِ الدُّنيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ؟» متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أيّ الليل أفضل؟ فقال: «يا داود ما أدري، إلا أن العرش يهتز في السحر» رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد في الزهد.
– وكان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع، هل جاء السَّحَر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء، والاستغفار حتى يصبح. رواه ابن أبي حاتم.
– وعن محارب بن دثار عن عمه قال: كنت آتي المسجد في السحر، فأمرّ بدار عبد الله ابن مسعود، فأسمعه يقول: «اللهم أمرتني فأطعت، ودعوتني فأجبت، وهذا السحر؛ فاغفر لي»، فلقيت بن مسعود، فقلت له: كلمات سمعتك تقولهن في السحر، فقال: «إن يعقوب أخّر بنيه إلى السحر حين قال لهم:﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾(يوسف: ٩٨)،
وقال لقمان الحكيم لابنه: «يا بني، لا تكن أعجز من هذا الديك؛ يصوّت من الأسحار وأنت نائم على فراشك».
– وقال موسى بن عيسى المُقرِئ: مضيتُ إلى أبي عبدالله أحمد بن حنبل، فقلتُ له: يا أبا عبدالله، قد ركبني دينٌ وأنا مغموم به، قال: عليك بالسَّحَر.
إن الاستغفار أعظم ما يدعو به المؤمن في وقت السحر فذاك دأب المتقين وراثي الجنان؛ قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾(آل عمران: ١٥-١٧)،
قال الحسن البصري: مَدّوا الصلاة إلى الأسحار، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السَّحر سبعين مرة.
– وذكر الحافظ عبدالحق الإشبيلي أن أحد الصالحين رُئي في المنام في الجنة، فقيل له: بم نلت هذا؟ قال: بذلك التضرع والاستغاثة في الأسحار.
وصدق القائل:
وَاذْكُرْ وقُوفَكَ في المَعَادِ وَأَنْتَ في
كَرْب الحِسَابِ وَأَنْتَ عَبْدًا مُفْْرَدًا
سَوَّفْتَ حَتَّى ضَاعَ عُمْرُكَ بَاطِلًا
وَأَطَعْتَ شَيْطَانَ الغِوَايَةِ وَالعِدَا
فَانْهَضْ وَتُبْ مِمَّا جَنَيْتَ وَقُمْ إلى
بَابِ الكَرِيْمِ وَلُذْ بِهِ مَتَفَرِّدًا
وَادْعُوهُ في الأَسْحَارِ دَعْوَةَ مُذْنِبٍ
وَاعْزِمْ وَتُبْ وَاحْذَرْ تَكُنْ مُتَرَددًا
وَاضْرَعْ وَقُلْ يَا رَبِّ جِئْتُكَ أَرْتجي
عَفْوًا وَمَغْفِرَةً بِهَا كَيْ أَسْعَدَا
فَلَعَلَّ رَحْمَتَهُ تعُم فإِنَّهَا
تَسَعُ العِبَادَ وَمَنْ بَغَى وَمَن اعْتَدى.
عباد الله: إن الاستغفار بالاسحار غنيمة ربانية؛ فينبغي الحرص عليه ولو لبضع دقائق، ولا بد من حضور القلب؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «قال اللهُ عز وجل: يا ابنَ آدمَ! إنك ما دعوْتَنِي ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ ! لو بلغت ذنوبُك عنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي، يا ابنَ آدمَ ! إنك لو أتيتني بقُرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتَني لا تُشركُ بى شيئًا؛ لأتيتُك بقُرابِها مغفرةً» رواه الترمذي، وأحمد.
يانفس توبي فإن الموت قد حانا
واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطًا
فتلحق أُخرانا بأُولانا
في كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعه
نرى بمصرعه آثار موتانا
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وتقبل توبتنا، واجعل آخر كلامنا من الدنيا (لا إله إلاّ الله)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة