. الرشوة في ميزان الشريعة الإسلامية: دراسة تحليلية في ضوء الكتاب والسنة
9 نوفمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور : محمد جاد قحيف
من علماء الأزهر والأوقاف
الحمد لله عالم الخلفيات وبارئ البريات المطلع على السرائر والنيات وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أحلَ لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث والمنكرات.. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أفضل الرسل وسيد المخلوقات صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً..
أَمَا بَعْدُ : فيا أيها الأحبة الأكارم
الرِّشوة داءٌ وَبيل، ومرضٌ خطير، تحلُّ بسببها من الشرور بالبلاد ما لا يُحصَى، ومن الأضرار بالعباد ما لا يُستقصَى، فما وقع فيها امرؤٌ إلا ومُحِقَت منه البركة في صحته وفي وقته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنَّس بها أحدٌ إلا وحُجِبَت دعوتُه، وذهبَت مروءتُه، وفسَدَت أخلاقُه، ونُزِع حياؤه، وساء مَنبَتُه.
والرِشْوَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَهِيَ كُلُّ مَالٍ دُفِعَ لِيَبْتَاعَ بِهِ مِنْ ذِي جَاهٍ عَوْنًا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ. [قَالَه ابنُ الْعَرَبِيِّ]..
العنصر الأول : تحريم الإسلام للرشوة وأكل أموال الناس بالباطل ..
الرشوةُ في الإسلام من كبائر الذنوب وهي محرمة تحريما قطعيا وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله الكريم ﷺ..
قال الله تعالى واصفاً شرار خلق الله وهم اليهود: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)
[المائدة:42]
قال ابن كثير: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أَيِ: الْبَاطِلُ (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أَيِ: الْحَرَامِ، وَهُوَ الرِّشْوَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَيْ: وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَيْفَ يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَهُ؟ وَأَنَّى يَسْتَجِيبُ لَهُ. وَوَجَهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الترمذي وسنده صحيح. وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَطْرَافَ الِرشْوَةِ وأركانها وعناصرها فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رواه أبو داود وسنده صحيح..
وعن ثوبان قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :
“لعَنَ اللهُ الرَّاشيَ والمُرتَشيَ والرَّائِشَ الذي يَمشي بَينَهما”. أخرجه الإمام أحمد وسنده صحيح..
الرِّشْوةُ هي ما يُعْطى ويُبذَلُ لإبطالِ حقٍّ، أو لإحقاقِ باطلٍ؛ وقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عنها وحذَّر منها تحذيرًا شديدًا، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ أبو هريرةَ رَضِي اللهُ عنه: “لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم”، أي: دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ على مَن يَفعَلُ هذه الأفعالَ، وهذا يدلُّ على أنَّها مِن كَبائِرِ الذُّنوبِ، “الرَّاشيَ”، أي: الدَّافعَ للرِّشْوةِ، “والمرتشِيَ”، أي: الآخِذَ للرِّشْوةِ وقابِضَها، “في الحُكمِ”، أي: الَّتي يأخُذُها الحُكَّامُ وأولياءُ الأمرِ لِقَضاءِ أمرٍ وإتمامِه على خِلافِ ما يَجِبُ أن يكونَ.
ورُوِيَ “والرَّائِشَ”، وهو الَّذي يَمْشي بينَ الرَّاشي والمرتشِي كواسطةٍ، وهذا كلُّه على وَجهِ العُمومِ في التَّحريمِ.
وقيل: ولا يَدْخُلُ في اللَّعنِ مَن رَشَا لِيَصِلَ إلى حَقِّه الممنوعِ عنه، إذا اضْطُرَّ إلى ذلك، وأمَّا المُرْتَشِي منه لِيُوصِلَه إلى حَقِّه، فهو داخلٌ في اللَّعنِ؛ لأنَّه يَأخُذُ العَطاءَ بلا حقٍّ له فيه؛ ليُوصِلَ الحقَّ لأصحابِه مع أنَّه مأمورٌ شرعًا بإيصالِ الحقوقِ لأصحابِها..(الدرر السنية)..
عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما فسرا قوله تعالى: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) بالرشوة، وحكي عن مسروق عن ابن مسعود أنه لما سئل عن السحت قال : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون، و السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل..
قال السندي: وَالرَّاشِي هو المعطي للرشوة، وَالْمُرْتَشِي هو الآخذ لها، وتقديم الراشي إما لكون بداية الرشوة منه، أو لكونه أحق باللعن لكونه ارتكب الإثم وتسبب لإثم الغير، أو لأن فعله على خلاف مقتضى الطبع، بخلاف فعل المرتشي، فصار إثمه أعظم، والله تعالى أعلم..
قَالَ الطَّيِّبِيّ “الْعقُوبَة تلحق الراشي والمرتشي إِذا اسْتَويَا فِي الْقَصْد والإرادة فَرَشَى الْمُعْطِي لينال بِهِ بَاطِلا ويتوصلُ بِهِ الى ظلم فَأَما إِذا أعْطى ليتوصل بِهِ الى حق أَو ليدفع بِهِ عَن نَفسه مضرَّة فَإِنَّهُ غير دَاخل فِي هَذَا الْوَعيد”
وهي من أهم صور أكل أموال الناس بالباطل يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188]..
وفي هذه الآية الكريمة ينهى الله -سبحانه وتعالى- عن أكل أموال الناس بالباطل، وذلك بالطرق غير الشرعية، فإن الواجب على المسلم أن لا يأكل المال إلا بالطرق المشروعة، ويأمره أن لا يستحل أموال الناس بالإثم والحرام..
وإن من وسائل أكل أموال الناس بالباطل: الرشوة التي انتشرت في هذا الزمان، وفي بلادنا على وجه الخصوص حتى صارت ديدن كثير من المسلمين، يأخذونها ولا يخافون من أكل الحرام، ولا يتحرجون من أكل الأموال بالإثم، فقل أن تجد موظفًا أو قاضيًا أو عاملاً إلا وهو يمد يديه لأخذ الرشوة من دون حياء من الله، ولا خجل من الناس، فاعلموا -يا عباد الله- أن هذا المال الذي يؤخذ بطريق الرشوة حرام وسحت، وآخِذُه متعاطٍ مالاً حرامًا
حتى لو باسم الهدية والاكرامية..
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا جَاءَ بِالْمَالِ حَاسَبَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا.؟» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَلَاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّآنِي اللهُ، فَيَأتِي فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا.؟، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَأخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا، جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً، جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا بَيَاضَ إِبْطَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.؟.. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.؟.. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.؟..» (متفق عليه)..
يا إخوة الإسلام إن أموال المسلمين حرام لا يجوز استحلالها إلا بحقها أو بطيب من أنفسهم، وقد حرم الإسلام أموال المسلمين، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: “فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض”.
العنصر الثاني : صور الرشوة وآثارها
من صور الرشوة الواضحة أخذ الموظف مالا من المواطنين زائدا على راتبه ، فالموظف الذي يتقاضى راتبًا لا يجوز له أخذ شيء على عمله، فمن مُقرَّرات دين الإسلام: أن هدايا العُمَّال غُلول..
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ محذرا من ذلك: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» رواه أبو داود عن بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وسنده صحيح..
والمراد بالعُمَّال: كل من تولَّى عملاً للمسلمين، وهذا يشمل السلطان ونوَّابه ومُوظَّفيه أيًّا كانت مراتبهم..
ومن هنا ما يأخذه المُوظَّف من أهل المصالح ليُسهِّل لهم حاجاتهم التي يجب عليه قضاؤها دون دفع هذا المال، فمن استغلَّ وظيفته ليُساوِم الناس على إنهاء مصالحهم التي لا تنتهي إلا من قِبَل وظيفته، فهو ملعونٌ على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
ومن صور الرِّشوة -يا عباد الله-:
من رَشَا ليُعطَى ما ليس له ولو كان مما تعود مُلكيَّته للمال العام، أو ليدفع حقًّا قد لزِمَه، أو رَشا ليُفضَّل على غيره من المُسلمين، أو يُقدَّم على سواه من المُستحقِّين في وظيفةٍ ونحوها..
ومن صور الرشوة الرشوة للحصول على حكم معين أو وظيفة أو منصب معين ..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرَّاشِيَ وَالـمُرْتَشِيَ فِي الحُكْمِ» أخرجه الترمذي وسنده صحيح.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى يقول: “كل لحمٍ نَبَتَ من سُحْتٍ فالنار أَوْلَى به”. قيل: ما السُّحْتُ يا رسول الله؟! قال: “الرِّشْوة في الحكم” ..
قال قتادة: اعلم -يا ابن آدم- أن قضاء القاضي لا يحل لك حرامًا ولا يحق لك باطلاً، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا”.
أيها المسلمون:
الرِّشوة مُحرَّمةٌ بأي صورةٍ كانت، وبأي اسمٍ سُمِّيَت، هديةٌ، أو مكافأةٌ، أو كرامة، فالأسماء في شريعة الإسلام لا تُغيِّر من الحقائق شيئًا، فالعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني..
أما آثار الرشوة على الفرد والمجتمع..
إن هذه الرشوة أيضًا تبعدك عن الله جلَّ وعلا، تقطع صلتك بربك؛ حيث إن دعاءك لا يستجاب، لماذا؟ لأن أكل الحرام سبب حجب إجابة دعائك تدعو فلا يستجاب لدعائك، وهذا من أعظم البلايا والأضرار،
ونبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من المكاسب الخبيثة فقال: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 72] ثُمَّ ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم “الرَّجُلَ المسّاَفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، قال: ومأكله حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»!..
وإن نظرة إليها في المجتمع نجدها تقلب موازين المجتمع فتتعالى المناصب عن من لا يستحقها، ويبعد عنها ذو النفوس العفيفة الزكية ذو الكفاءة والخبرة لكن أبعدوا عنها؛ لأن أهل الرشوة لا يريدون من كان عفيف النفس قوي الإيمان صادقًا يبعدونه عن واقعهم، ويحولون بينه وبين إخلاصه وصدقه وعفة نفسه، إنها تُضعف أداء الواجب..
وإن من تأمل الرشوة حق التأمل رأى أن لها آثار سيئة على الفرد والمجتمع لا من حيث الدين فقط، بل من حيث الأمن والاقتصاد ، ومن حيث صلاح الإدارة إلى غير ذلك، فلها مفاسدها وأضرارها..
العنصر الثالث : روائع من التاريخ الإسلامي
وذكر ابنُ كثيرٍ في “تأريخه” أن جيش المسلمين لما ظفَروا بالنصر على إقليم تركستان وغنِموا شيئًا عظيمًا، أرسَلوا مع البُشرى بالفتح هدايا لعُمر رضي الله عنه، فأبَى أن يقبَلَها، وأمر ببيعها وجعلها في بيت مال المسلمين.
وفي قصة عبد الله بن رواحة لما بعثَه النبي ﷺ إلى يهود خيبر، فجمعوا له حُليًّا من حُلِيِّ نسائهم، فقال: إنّكم من أبغض خلق الله إليَّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيفَ عليكم، أما ما عرضتُم من الرِّشوة فإنها سُحتٌ، وإنَّا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض..
وعن فُرَاتِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: اشْتَهَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ التُّفَّاحَ فَلَمْ يَجِدْ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَشْتَرِي بِهِ فَرَكِبْنَا مَعَهُ فَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُ الدَّيْرِ بِأَطْبَاقِ تُفَّاحٍ فَتَنَاوَلَ وَاحِدَةً فَشَمَّهَا ثُمَّ رَدَّ الْأَطْبَاقَ فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ فَقُلْتُ أَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ فَقَالَ إِنَّهَا لِأُولَئِكَ هَدِيَّةٌ وَهِيَ لِلْعُمَّالِ بَعْدَهُمْ رِشْوَةٌ.. رضي الله عنهم وأرضاهم وبلغنا الاقتداء بهم
وختاماً: علينا أن نتقِ الله في أنفسنا، ونتقِ الله في مكاسبنا، ونراقب الله في أقوالنا وأعمالنا، ولنعلم أن هذه المال إذا أُخذ بغير حق فإنها سحتٌ وبلاءٌ ومحقٌ في الدنيا والآخرة..و من وقع في ذلك عليه أن يتوب قبل أن يفجأه الموت، فلا ينفعه حينئذٍ مالٌ ولا بنون.. اللهم طهر قلوبنا من الآثام وأموالنا من الحرام واغننا بحلالك عن حرامك واكفنا بفضلك عمن سواك اللهم آمين يارب العالمين ..