حقيقة الدنيا كميدان للامتحان، وشعور أولياء الله فيها

بقلم الكاتب والداعية الإسلامى
الدكتور : رمضان البيه

لا تخلو الحياة الدنيا من الأكدار ولا تصفو لأي إنسان سواء لطالبها أو الزاهد فيها ، فهي دار الإبتلاء والإختبار ودار الفتن والمِحنْ ، وهي دار مٌتقلبة ، دوام الحال فيها من المٌحال . فبين الصحة والمرض ، وبين السعادة والحزن ، وبين الغنى والفقر ،وبين العطاء والمنع ، وبين الشباب والهِرَمْ ، وبين الأمل واليأس ، وبين الأمن والخوف ، وبين الشبع والجوع . وبين الإنشراح والهم ، وبين القيل والقال تتقلب العباد  ، وصدق تعالى إذ قال ” ولقد خلقنا الإنسان في كبد ” .

وهي دار الأطماع والأحقاد والغرور وهي رأس كل خطيئة وحبها مٌهلك وطيلة الأمل فيها مُهلك وينسي الأجل ، والعاقل فيها حيران ولا يجتمع حبها مع محبة الله تعالى
ففي الحديث عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال ” لا يجتمع حٌبان في قلب العبد . حب الله وحب الدنيا ” .

وهي غنيمة الحمقى ومطمع الجٌهلاء وجيفة وطلابها كلاب وخير ما فيها ترك مافيها ، أي، بعدم تعلق القلب بشئ منها وإن كانت مملوكة في اليد . وهي تمر ولا تسر . حلالها حساب ، من أين إكتسبت وفيما أنفقت ، وحرامها حساب .

وهي دار اللعب واللهو حيث يقول عز وجل ” وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ” ويقول سبحانه ” وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ” .
وهي بالنسبة لحال عامة البشر دار البؤس والشقاء .

أما أهل الله تعالى وعباده الصالحين فوق كل ما ذكرنا من المعاناة والشقاء ، فهي دار يتم وغربة ،فأرواحهم معلقة بحضرة ربها عز وجل ومولاها منذ أن أخذ الله على العباد العهد والميثاق وإقرارها بربوبيته عز وجل في عالم الذر حيث إنجذبت بالكلية إلى حضرة الربوبية لحظة التجلى بأنوار الأسماء والصفات ، ومنذ تلك اللحظة وهي لا تفارق الحضرة ، ومن هنا كان الإحساس باليتم فالدار ليست بدارهم ، وكان الشعور بالغربة لتعلق الأرواح بعالمها في هذه الدار ، هذا وأجسادهم لها الحظ والنصيب الأوفى من الإبتلاء ومن المعلوم أنه كلما كان الإيمان أرسخ واليقين أشد في القلب كان البلاء والمِحن أشد وأقوى وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذ قال ” يٌبتلى المؤمن على قدر دينه فإن كان في دينه زيادة زيِدَ له ” وقوله ” أشد الناس إبتلاء الأنبياء ثم الاولياء ثم الصالحين فالأمثل فالأمثل ” .

هذا وقد حذرنا الله تعالى منها في آيات كثيرة منها قوله تعالى ” ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا وإتبع هواه وكان أمره فرطا ” . هذا وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ” ألا إن الدنيا ملعون ماعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم “