الحوار… لغة القلوب التي تُعيد الدفء للبيوت [ سلسلة بيوت على نور]
27 أكتوبر، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم د إبتسام عمر عبد الرازق
سلسلة بيوت على نور المقال التاسع
الحوار ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو فن من فنون الحياة، وركيزة أساسية في بناء البيوت والمجتمعات على أسس من الودّ والتفاهم. حين يغيب الحوار، تتحول البيوت إلى ساحات صراع، ويعلو الصوت على الكلمة الطيبة، وتذبل المودة شيئًا فشيئًا. أما حين يسود الحوار الراقي، تُفتح القلوب، وتُحلّ المشكلات بهدوء، وتزهر البيوت نورًا وصفاءً.
جاء القرآن الكريم ليؤسس لقيم التواصل الإنساني الراقي، فدعا إلى الحوار البنّاء، واعتبره من وسائل الدعوة إلى الله، كما في قوله تعالى: لقرآن الكريم زخر بالحوارات الهادفة، وجعل منها وسيلة للتربية والإقناع، لا للإقصاء والتعصب.
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [النحل: 125].
وقد ضرب الله أمثلة عديدة لحوارات الأنبياء مع أقوامهم، مثل حوار إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه، وحوار موسى مع فرعون، وحوار نوح مع قومه، مما يدل على أن الحوار وسيلة عقلانية ونبوية لتبليغ الرسالة وتوضيح الحق.
ولم يُقصِ القرآن الكريم المخالفين في العقيدة، بل دعا إلى النقاش معهم بأدب:
“قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ…” [آل عمران: 64].
فالقرآن يؤسس لحوار راقٍ، يقوم على الاحترام، والحكمة، والجدال الحسن، ويبتعد عن التعصب والتشنج، مما يعزز السلم والتفاهم بين الناس
والرسول محمد ﷺ كان من أوائل من نادوا بالحوار، وجعلوه منهجًا أساسيًا في الدعوة والتعامل مع الناس. فقد جسّد ﷺ قيم الحوار والرحمة واللين في أقواله وأفعاله، وجعل الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة أساسًا في التواصل مع الآخرين.
الحوار مع المشركين: كان ﷺ يحاور مشركي قريش بالحجة والعقل، ويستمع إليهم رغم اختلافهم الشديد معه, ايضاُالحوار مع اليهود والنصارى: كان يتحاور معهم في المدينة، ويسمع لهم، ويقيم معهم الحجة، كما في قصة وفد نجران النصراني الذين جاءوا للنقاش، فاستقبلهم النبي ﷺ وأدار معهم نقاشًا هادئًا وعقلانيًا.
قال تعالى مخاطبًا نبيه: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”( آل عمران: 159)
كان النبي ﷺ يُحسن الاستماع ولا يقاطع، حتى في المواقف التي قد يُظن فيها أنه لا حاجة للكلام. مثلما فعل عندما جاءه عتبة بن ربيعة يعرض عليه المال والسلطة، فاستمع له حتى انتهى، ثم قرأ عليه آيات من القرآن الكريم, الرسول محمد ﷺ لم يكن فقط منادياً بالحوار، بل كان نموذجًا تطبيقيًا له في أقوى وأصعب المواقف. وقد دعا إلى الحوار بالعقل، وبالحكمة، وبالخلق الحسن، وهذا ما جعله يكسب قلوب الناس قبل عقولهم.
وهناك مقولة شهيرة تُنسب للإمام الشافعي رحمه الله، وتُعد من أروع ما قيل في أدب الحوار وتقبّل الرأي الآخر. وصيغتها الكاملة هي:” رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب.” هذه المقولة تُعبّر عن تواضع فكري رفيع، واحترام عميق لآراء الآخرين، حتى مع الاختلاف. وهي تعني أن الإنسان يجب أن يتمسك برأيه
ما دام يراه صوابًا، لكن عليه أيضًا أن يعترف بإمكانية الخطأ، وأن يكون منفتحًا على آراء الآخرين، فقد يكون الصواب معهم.
عزيزى الأب , عزيزنى الأم نبدأ معاً خطوات عملية لتطبيق الحوار داخل البيت
1. الإصغاء بصدق
امنح أولادك كامل انتباهك، لا تقاطع حديثهم، فالإصغاء نصف الحوار.
2. اختيار الوقت المناسب
لكل نقاش وقته، فاختيار لحظة هادئة بعيدًا عن التوتر يُسهّل الوصول لحلول.
3. اللين وخفض الصوت
الحوار ليس صراع أصوات، بل تبادل كلمات. قال ﷺ: “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” [رواه البخاري ومسلم].
4. تجنّب العبارات الجارحة
الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة القاسية تجرح وتغلق القلوب.
5. التركيز على المشكلة لا على الشخص
ناقش الفعل أو الموضوع، لا الشخص نفسه، حتى لا يتحوّل الحوار إلى خصومة.
6. الاعتراف بالخطأ عند الحاجة
الشجاعة ليست في التمسك بالرأي، بل في الاعتراف بالخطأ عند ثبوته.
7. إشراك الأبناء في الحوار
علّم أبناءك أن الحوار أسلوب حياة، فاستمع لآرائهم، وأعطهم فرصة ليعبروا عن أنفسهم.
حين نُحسن إدارة الحوار في بيوتنا، تصبح خلافاتنا فرصًا للتقارب، ويصبح كل نقاش جسرًا يقرب القلوب. وبالحوار، يزهر البيت نورًا، وتصفو القلوب حبًا، وتتحول الكلمة الطيبة إلى بذرة سلام في كل زاوية من زوايا الحياة.