نبذة عطرة من سيرة سيدى عبد القادر الجيلاني

بقلم الشيخ : عوض مصطفى 

سيدي عبد القادر الجيلاني (470-561 هـ / 1077-1166 م) هو إمام صوفي، فقيه حنبلي، يُعرف بلقب “سلطان الأولياء”، وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية. وُلد في جيلان بالعراق، وكان عالمًا بارزًا في بغداد. اشتهر بتدريسه في الفقه والحديث، وشغفه بالعلوم، ورعاه وتقواه الشديدة. تُعد مدرسته وكرسي تدريسه من أهم المؤسسات العلمية في بغداد.

نسبه ونشأته :
ولد في جيلان ببغداد، وهو من نسل النبي محمد ﷺ ونشأ في بيت زاهد، معتزل عن الدنيا، واهتم بالتصوف منذ صغره. 

درس على يد شيوخ كبار مثل أبي سعيد مبارك المخزومي وأبي الوفاء علي بن عقيل في بغداد، ودرس الحديث على يد أبي محمد جعفر السراج، وأخذ التصوف عن حماد بن مسلم الدباس. 

قضى فترة في صحاري العراق بعد إكماله دراسته، وتجول فيها لمدة خمسة وعشرين عامًاوأصبح رأساً مقدماً في المذهب الحنبلي، وخلف شيخه في كرسيه العلمي. 

كان يقرئ القرآن والقراءات بعد الظهر، ويدرس علوم الحديث والتفسير والفقه والخلاف ولُقب بـ “محيي الدين” و”باز الله الأشهب” و”تاج العارفين” تعبيرًا عن مكانته العلمية والروحية. 

تصوفه وطريقته :
تُنسب إليه الطريقة القادرية الصوفية، وهي من الطرق الصوفية المنتشرة في العالم الإسلامي وجمع رضى الله عنه بين الظاهر والباطن أكد الجيلاني على أهمية التصوف كروح للشريعة، مع الحرص على الالتزام بأحكامها. 

وكان شديد الورع وكثيرًا ما كان يأخذ بالعزيمة ويكثر من النوافل، معتبرًا إياها ضرورية كالفرائض. 

ويُعتبر من كبار أولياء الله، ولا يزال الناس يستلهمون من حياته وسيرته حتى اليوم ويُعدّ مثالًا للإخلاص في العبادة، وعدم الاغترار بالمنصب والجاه، كما في قصته مع السكران. 

قصته مع السكران :
في إحدى كرامات الشيخ عبد القادر الجيلاني المشهورة، صادف سكرانًا في الطريق، والذي سأله ثلاث مرات: “يا عبد القادر، هل الله قادر أم غير قادر؟” رد الجيلاني أولاً بالقول إن الله قادر، ثم سأله السكران ثانيةً فرد عليه بالمثل. وعندما سأله في المرة الثالثة، بكى الشيخ وسجد لله، مؤكدًا: “بلى والله، قادرٌ قادرٌ قادر!”، حيث كان السكران في المرة الأولى يسأل عن قدرة الله على التوبة عليه، وفي الثانية عن قدرة الله على جعله في مكانه، وفي الثالثة عن قدرة الله على جعله مكان الشيخ. كانت هذه الحادثة درسًا للشيخ وتلاميذه بعدم الاغترار بمكانتهم، ودعوة لطلب العافية والستر من الله، مع الإشارة إلى أن قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}. 

تفاصيل القصة:
بينما كان الشيخ عبد القادر الجيلاني يسير في شوارع بغداد مع تلاميذه، وجدوا رجلًا سكرانًا ملقى في قارعة الطريق.

السؤال الأول:
نادى السكران الشيخ وسأله: “يا عبد القادر، هل الله قادر أم غير قادر؟”. ابتسم الشيخ وقال: “بلى، قادر”. 

السؤال الثاني:
سأله السكران مرة أخرى بنفس السؤال، فرد عليه الشيخ مبتسمًا: “بلى، قادر”.

السؤال الثالث والبكاء:
عندما سأله السكران في المرة الثالثة، بكى الشيخ بشدة وسجد لله، قائلاً: “بلى والله، قادرٌ قادرٌ قادر!”. 

التفسير والعبرة:
أمر الشيخ تلاميذه بإكرام السكران وغسله، وعندما سألوه عن سر بكائه، قال إن السكران في المرة الثالثة كان يسأل عن قدرة الله على أن يجعله مكان الشيخ. بكى الشيخ خوفًا أن يأمن مكر الله أو يفقد عافيته وستره. 

الدرس:
تُعدّ هذه القصة درسًا في عدم الاغترار بالجاه أو العلم أو المال، والخشية من الله، وعدم الاغترار بقوة الإنسان، كما تدعو لعدم الاستهانة بالآخرين مهما كانت حالهم، فقد يكون لهم شأن عظيم عند الله.