ووفقا لهذا السياق الفقهي الجامع بين فقه النص بإدراك علله المصلحية وبين الوعي بمتطلّبات الواقع المتغيّر فإن الإمام مالك قد طُرحت عليه مايزيد عن الأربعين مسألة فقهية تتعلق بنوازل جديدة ببيئة مغايرة لواقع المدينة في تلك الحقبة، فلم يقدّم إلا فتاوى لثمانية مسائل لعدم درايته الكلّية بالسياقات الحضارية والاجتماعية الدقيقة وإل اأضحت الفتوى تنحو منحى خطيرا إمّا غلوّا في منح الرخص وتوسّعا في الحيل الفقهية التي تلغي الأحكام الشرعية أوتشدّدا على المكلّف من غير مراعاة طاقاته وظروفه القاهرة التي توقعه في الحرح والضرر الذي يتنافى مع المصلحة المقصودة شرعا باعتبار أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والعادة .ثم إنّ أيّ حكم شرعي يصدره فقيه في واقعة ما لايتفطن فيها إلى المصالح والمآلات يعدّ ضربا من الجهل المركّب مصداقا لقولهﷺ :”إن الله لايقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ،ولكن يقبض العلم بقبض العلماء،حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهّالا ،فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا.”
صحيح البخاري :كتاب العلم. باب كيف يقبض العلم. حديث رقم100.دار الفكر للطباعة والنشر .1424هـ-2003م -بيروت لبنان -ص46