بين الرزق والنطق
28 سبتمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى
جمع الله تعالى بين الرزق والنطق في قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}[الذاريات: 22، 23]، أي أن أنواع الرزق في السماء تنزل عليكم بمثل ما تنطقون حقيقة، فمن نطق خيرًا أصابه الخير، ومن نطق شرًا أصابه الشر، ومن تفاءل خيرًا أصابه الخير، ومن تفاءل شرًا أصابه الشر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “البلاء موكل بالقول”, فالمنطق هو بوابة الرزق، وفي الحديث القدسي الشريف: “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء”، فمن ظن بالله خيراً وجد خيراً، ومن ظن بالله شراً وجد شراً، وفي الأثر: “أقداركم تؤخذ من أفواهكم”، فمن توقع المرض مَرِض، ومن توقع البلاء ابتُلي، ومن تمنى الموت مات، كما جاء عن هذا الشيخ البائس الذي عاده النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عليه أثر الحُمَّى، فقال: لا بأس، طهور -إن شاء الله – فقال الشيخ: بل حُمَّى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنعم إذن، فما أمسى الرجل إلا ميتاً.
لَا تنطقن بِمَا كرهت فَرُبمَا … نطق اللِّسَان بحادث فَيكون
ومن هذا الباب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء الإنسان على نفسه، فقال: “لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، فيستجيب الله لكم”، فلا ندعو على الأبناء إلا بالخير والبركة، حتى تحل على البيوت الخير والبركة، وجاء رجل إلي عبد الله بن المبارك فشكا إليه بعض ولده، فقال عبد الله: هل دعوت عليه؟ قال: نعم، قال عبد الله: أنت أفسدته، أي بدعائك عليه.
ومن ذلك كثرة الحديث عن الحسد والحاسدين حتى يُصاب الإنسان بالعين والحسد، حيث يقول بعض العلماء: مكثت في أمريكا عشرين سنة ما رأيت محسودًا ولا مسحورًا من غير المسلمين، لماذا؟ لأنهم لم يشغلوا أنفسهم بالحسد أو السحر، أما من شغل نفسه بهما فقد هيأ نفسه للإصابة بهما، وكما يُقال في الأمثال العامية: (اللي يخاف من العفريت يطلع له)، حتى ولو في المنام.
ومن أنواع المنامات الحُلم الشيطاني الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: “الرؤيا الصالحة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب، وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره”؛
فلا يتحدث الإنسان بالكوابيس المزعجة أحداً على الإطلاق، حتى لا يتحقق هذا الكابوس, ولهذا قال يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام: {يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يوسف: 5]، أما الرؤيا الصالحة فإن الإنسان يُخبر بها مَن يُحِب؛ حتى يُبشره المحبوب بالخير؛ فيتحقق الخير بمشيئة الله تعالى.
فالبلاء موكل بالمنطق، فليتخير الإنسان من الكلام أطيبه ومن المنطق أعذبه، وليحذر من كلام السوء ولو يسيراً, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي”، فكلمات الزهق والقلق والضيق لا تجلب إلا الزهق والقلق والضيق