
بقلم الدكتور : محمد فهمي رشاد
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا
قد يَنْسِبُ الإنسانُ إلى غيره فعلاً مُشِيناً كذباً وزوراً وهو منه بَرَاء بقصد الإساءة إليه والتنقص من قدره، وهذا ما يلجأ إليه بعض الحاقدين والحاسدين؛ لإطفاء نار الحسد والبغض المشتعلة في قلوبهم. ومن يقع في ذلك يكون قد ارتكب إثماً عظيماً وفعلاً مشيناً، وفي هذا المعنى يقول المولي سبحانه وتعالي : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾
(١)سورة الأحزاب(آية٥٨)
أي ينسبون إليهم فعلاً قبيحاً هم منه براء.
(٢)تفسير القرطبي(٥٣٢٢/٨) ، تفسير ابن كثير(٥٣٤/٣)
ويقول سبحانه : ” إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ “.
(٣ )سورة النور(آية١٩)
والفاحشة هي: “الفعل القبيح المفرط القبح” وقيل هي: ” القول السئ “.
( ٤)تفسير القرطبي(٤٥٩٨/٧)
فالآية الكريمة تحذر مَنْ سمع كلاماً سيئاً عن الغير أن يشيعه أو ينشره بين الناس، ومن يفعل ذلك استحق إقامة حد القذف عليه في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة.
(٥) تفسير ابن كثير(٢٨٣/٣)
وقال جل شأنه: ” إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ “.
(٦)سورة النور(آية٢٣)
وقد نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه المنافقين الذين خاضوا كذباً وزوراً وبهتاناً في عرض أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وقد برأها الله تعالي من فوق سبع سماوات.
(٧) معالم التنزيل في تفسير القرآن للبغوي(٣٩٥/٣)
والحكم هنا ليس خاصا بحادثة الإفك وإنما هو عام في كل من رمي مؤمنة محصنة غافلة.
(٨)تفسير ابن كثير(٢٨٥/٣)
وقد روى عن سعيد بن زيد عن النبي – ﷺ – أنه قال: ” إن من أربي الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق”.
(٩) أخرجه أبو داود(٤٨٧٦)واللفظ له ، والبيهقي(٢١١٦٧) ، الجامع الكبير للسيوطي(٢٦٦٨) ، وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد(١٣٤٤٤):رجال أحمد رجال الصحيح غير نوفل بن مساحيق وهو ثقة.
أي إن أسوء الربا عاقبةً وأشده تحريماً هو الخوض في عرض المسلم سباً وقذفاً وتشهيراً ، وإنما كان ذلك أشد تحريماً؛ لأن العرض أكثر حرمة من المال.
(١٠)عون المعبود شرح سنن أبي داود(٤٨٧٦).
كما روى أحمد في مسنده عن ثوبان عن النبي – ﷺ – قال: ” لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته”.
(١١) أخرجه أحمد(٢٢٤٠٢) واللفظ له ، والسيوطي في الجامع الكبير(٢٤٤٧٧٥/١١٤) .
كما روى عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن النبي – ﷺ – قال: ” من ذكر أمرا بشئ ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاد ما قال فيه “.
(١٢)أخرجه السيوطي في الجامع الكبير(٢١٥٢٣/٣٠٢٧) ، وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد(٧٠٤١):رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
وجاء في رواية أخرى : ” أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها برئ يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاد ما قال”.
(١٣) الترغيب والترهيب للمنذري(٣٣).
فكل هذه النصوص تبين العقاب الشديد في الدنيا والآخرة لمن تسول له نفسه الطعن في أعراض الآخرين والتشهير بهم، بوضع صورة مسيئة لهم في أذهان الآخرين بما ليس فيهم من العيوب كذباً وزوراً وبهتاناً.
وظاهرة الطعن في الآخرين تعتبر من الأمراض الخطيرة المنتشرة في عصرنا الحاضر.
(١٤)أحكام التشهير بالناس في الفقه الإسلامي ص٢٩.
ولها آثارها السيئة على الفرد والمجتمع ؛ لما تثيره من الفتن والبلبلة في المجتمع المسلم.
(١٥)المرجع السابق ص٢٥٣.