أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيح تخشى الفقر


بقلم الشيخ : صالح علي صالح الفقي

الموجه العام بوعظ الأزهر الشريف – ومشرف لجان فتوى الأزهر بمنطقة وعظ كفر الشيخ سابقا

 

قال رسول الله ﷺ: «أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان» [متفق عليه].

في هذا التوجيه النبوي تتجلى عظمة الصدقة في أرقى صورها، إذ لا تكون حين يفيض المال وتكثر الخيرات فحسب، بل حين يشتد حرص النفس على ما تملك، وتستولي المخاوف على القلب من تقلب الأيام وضيق ذات اليد. فالعطاء في ساعة السعة أمر يسير على كثير من الناس، أما البذل في حال الشح والخوف من الفقر فهو امتحان للإيمان، وبرهان على صدق التوكل، ودليل على سمو النفس وعلو الهمة.

الصدقة التي تخرج من يد شحيحة مترددة تشبه شعلة النور حين تقتحم عتمة الليل؛ يراها الله فيرفع بها قدر صاحبها، ويكتب له بها منازل عالية لا يبلغها كثير من المنفقين. فالمال في جوهره ظل زائل ومتاع فان، لكنه إذا بذل في سبيل الله بقي أثره ممتدا في الدنيا بركة، وفي الآخرة أجرا عظيما.

وقد جبلت النفوس على حب المال والحرص عليه: ﴿وتحبون المال حبا جما﴾، ومن هنا كان بذله مع الشح أعظم دلالة على قوة الإيمان وكمال الثقة بالله الرزاق. فحين يقدم المرء درهما وهو يراه كأنه حياته كلها، ثم يغلب خوفه برجاء ثواب الله، فإنه يشتري يقينا يورثه سكينة وطمأنينة لا يذوقها البخلاء.

لهذا عد العلماء هذه الحال من أشرف القرب: أن تعطي وأنت قادر على الإمساك، وأن تواسي غيرك وأنت أحوج ما تكون إلى المواساة، وأن تقدم لله ما تحبه نفسك. فالعطاء في تلك اللحظة ليس مجرد نفقة، بل هو انتصار على الشح، وتحرر من رق المال، وصعود إلى مقام الإيثار.