
بقلم الدكتور : محمد فهمي رشاد
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا
مع كلِّ عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، تتفتح أمامنا أبواب الأمل، وتُعطى لنا فرصةٌ عظيمة لنجدد العهد مع أنفسنا وأمتنا. فمقاعد الدراسة ليست مجرد كراسٍ للجلوس، ولا جدرانًا تُزيَّن، بل هي منابرُ للنهضة، وساحاتُ عبادةٍ نتقرب بها إلى الله بطلب العلم وإتقانه.
إنَّ الله تعالى رفع مكانة أهل العلم فقال:
﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].
وبيَّن أن الفارق عظيم بين العالِم والجاهل فقال:
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
وقال النبي ﷺ:
«مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنّة» (رواه مسلم).
كما قال ﷺ:
«العلماء ورثة الأنبياء» (رواه أبو داود).
من قصص السلف:
كان الإمام الشافعي رحمه الله يكتب على العظام والجلود لأنه لم يكن يملك ورقًا، ومع ذلك بلغ القمم، وصار علمه ميراثًا خالدًا ينهل منه طلاب العلم إلى يومنا هذا.
وخرج الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في طلب العلم، فطاف البلاد شرقًا وغربًا، حتى قالوا: رحل في طلب الحديث أكثر من ألفي فرسخ، يبيت على الحصى، ويجوع أيامًا، لكنه لم يلن، فصار إمامًا في الدين والورع والعلم.
أما الإمام البخاري رحمه الله، فقد جمع صحيحه بعد أن غربل ستمائة ألف حديث، لم يقبل منها إلا ما صح عنده بشروط دقيقة، ليترك للأمة أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.
وذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يبيت على أبواب الصحابة ينتظر خروجهم ليسألهم عن حديث أو مسألة، حتى قال بعضهم: لقد ذلَّ هذا الغلام حتى نال العلم.
وقالوا عن الإمام ابن الجوزي: كنتُ آكل الخبز وحده بالملح، ولا أضيّع وقتي في الأكل الكثير، حتى لا أنقطع عن المطالعة والكتابة.
هؤلاء لم ينظروا إلى مقاعد الدراسة كأماكن اعتياد، بل جعلوها محاريب عبادة، وصبروا على المشقة، فجعل الله لهم الخلود بالذكر، والرفعة في الدنيا والآخرة.
من وصايا العلماء:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال.
وقال الحسن البصري رحمه الله: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربة.
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم.
وقال سفيان الثوري: ما عالجتُ شيئًا أشدّ عليَّ من نيّتي؛ لأنها تتقلب عليّ. فليكن طلبكم للعلم بنية خالصة لله.
رسالة إلى الطلاب والطالبات:
أخي الطالب، أختي الطالبة:
لا تجعل مقعدك في قاعة الدرس كأنه مقعد في حافلة تنتظر أن تنتهي الرحلة، بل اجعله منبرًا ترتقي به درجات المجد.
اجعل نيتك خالصة لله، واعلم أن الأمة تنتظر منك الكثير. فكل ساعة تجلسها في قاعة، وكل فكرة تفهمها، وكل مهارة تُتقنها، هي لبنة في بناء مستقبلٍ مشرق.
. الأمة اليوم تحتاج إلى عقول نيرة، وقلوب مخلصة، وألسنة صادقة، وسواعد تبني وتصلح. ولا تنسَ أن العلم عبادة، وسعيك فيه صدقة جارية تُكتب في ميزان حسناتك.
قال رسول الله ﷺ:
«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم).
اختم بهذا الدعاء