خطورة الحسد


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

بعد نتيجة الثانوية 2025 وإعلان أسماء الأوائل من الطلبة والطالبات، سمعنا عن الطالبة الأولى التي أصيبت بحادث سير، وطالبة أخرى من الأوائل توفيت بعد ظهور النتيجة، مما يدل على خطورة العين والحسد، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن العين تدخل الرجل القَبر والجَمل القِدر”، وقال صلى الله عليه وسلم: “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين”.

والحسد المذموم هو تمنى زوال النعمة عن الغير، وكفى بهذا الوصف خبثاً وشراً ومانعاً للراحة والسعادة، حيث يدل على سواد القلب وضعف الإيمان وعدم الرضا عن الله في تقسيم أرزاقه على عباده.

وفي خطورته يقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: “ولا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والحسد”، فإذا ضعف الإيمان كثر العصيان، فبسبب الحسد ارتكبت أول معصية حينما حسد إبليس آدم عليه السلام، وأُمر بالسجود له فأبى واستكبر على أمر الله، وبسبب الحسد أيضاً ارتكبت أول جريمة قتل، حينما قتل قابيل هابيل، ويظل الحسد هو الوقود الأول لكل عصيان أو عدوان؛ لأن الحسد هو المرض الوراثي الذي يتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “دبَّ إليكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين”.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحَصِّن نفسه من شر الحسد، ويُعَوِّذ نفسه بنفسه من العين والحسد، ويتعوذ بالله من الجان ‌ومن ‌عين ‌الإنسان، حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين ويقول: “‌إن ‌أباكما ‌إبراهيم كان ‌يعوذ ‌بهما إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة”، وقال صلى الله عليه وسلم: “قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء”.

وبعد هذه التحصينات الربانية لا يشغل الإنسان بالحسد والحاسدين المجهولين في الغالب، حيث يقول بعض العلماء: مكثت في أمريكا عشرين سنة ما رأيت محسودًا ولا مسحورًا من غير المسلمين، لماذا؟ لأنهم لم يشغلوا أنفسهم بالحسد أو السحر، أما من شغل نفسه بهما فقد هيأ نفسه للإصابة بهما، وكما يُقال في الأمثال العامية: (اللي يخاف من العفريت يطلع له)، وصدق الله تعالى حيث قال عن التعامل مع الأشرار المعتدين: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.

أما الحسد المحمود وهو الغبطة، وهو أن يتمنى الإنسان مثل نعمة أخيه، ولا يتمنى زوالها عنه، فقد رَغَّبَ في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار”، فيتمنى أن يكون من أهل القرآن كأهل القرآن، ويتمنى أن يكون من أهل البذل والعطاء كأهل الإنفاق، وهو من علامات زيادة الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.

وقد مدح الله الأنصار بهذه الغبطة وحبهم للمهاجرين في كتابه الكريم، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}.