الزوجة تغير مسار الزوج
19 سبتمبر، 2025
منبر الدعاة

بقلم الكاتب والباحث الكردى الدكتور : عبد الكريم فتاح أمين
ليس الزواج أمرا شهوانيا ولقضاء الشهوة من كلا الطرفين : الزوج والزوجة فقط بل ورائه دوافع عظيمة وغزيرة وإيحاءات مقنعة لا يتنبه إليها إلا من أعمل أذهانه التفكيرية والتأملية في البحث في نفسه والمباحثة مع غيره، إذ المعلومات تحصل بآليتين:
الآلية الاولى : اتعاب النفس من قبل الباحث لفتح الآفاق على نفسه، كلما يتفكر الإنسان ويبحث ويقلب بصره وبصيرته يقوي عقله وروحه ويخرج نفسه من السذاجة والبساطة ويصير إنساناً يحلل الأمور المشاقة وصعابه.
وبديهي توجد في داخل الإنسان وخارجه أعضاء جسيمة تميزها عن مخلوقات وكائنات غيره، لأنه ربما يقبل أشياء ثم يرفضها، وربما يحكم على شيء ثم يندم ويرجع عنه، وهذا ليس دليلاً على ضعفه وجهله بل القبول والرفض والحكم والندم قد صدرت من التصورات والمباحثة المتتالية العميقة ، إذ ربما ينسى أحد أركان التفكير والاجتهاد وقت التتبع والمباحثة ثم يتذكر ذلك ويقوم بتغيير النتيجة العقيمة التي عمل بها أوقاتاً ويضع مكانه النتيجة الصحيحة:
﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ۖ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۗ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ (195)آل عمران.
الآلية الثانية: الاستقصاء والاستماع إلى غيره من العلماء والمتخصصين ليحللون له المسائل الصعبة والعويصة التي كانت عالية السطح ولم تكن مقدورة له، يبدو لنا أن العلم تجاه شيء يحصل بالاستطلاع والاستقصاء فلا بد لمن يريد أن يصير فاهما وانسانا منبها وذا علم وثقافة ان ينخضع لعلم من يكون فوقه .
وسنشير إلى حديث في هذا المجال ثم نذكر أبعاداً كثيرة تفهم منها:
(( عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه, فليتق الله في النصف الباقي))
ليس الدين في ذلك الحديث منحصرا على الشعائر فقط من الصلاة والصيام والحج والزكاة بل يشمل كل النواحي من الدنيا والآخرة ، الزواج يحرك الجانب المعيشي والكلفوي، والزواج الهام عظيم ورسالة من الداخل والخارج لمن قام به بأنه هجر من المرحلة اللامسئولية إلى المرحلة المسئولية، ومن الفصل والعيش وحده إلى مرحلة الوصل والجمع، ورسالة إلى ذلك الإنسان بأنه خرجت من ظل ورعاية غيره وأنه بصدد أن يصير ذا ظل وملجأ
(( عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه, فليتق الله في الشطر الباقي))
وفي نهاية المطاف أقول: المحبة البشرية من بينها ناقصة وغير ناضجة، وفي كثير من الأحيان قبل الزواج فالمحبة تتعرض للانحراف الخطير والميل إلى صراط غير سوي لأنها منتقلة من اشخاص إلى أشخاص ولكن بعد الدخول في عملية الزواج المبني على الشروط التي يذكرنا الحديث الآتي : (( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.)) تستقيم وتكتمل المحبة تدريجياً وترسخ جذورها في الأعماق جذور الأشجار في بطون الأرض الرخوة كما أشارت إلى تلك الحقيقة الآية الكريمة الآتية:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)الروم
وبعد المحبة العاطفي والشهواني يتفكران الكائنان: الزواج والزوجة إلى إعداد وتوليد محبة أخرى، وهي عبارة عن محبة الشفقة والرحمة، وهي تحصل من الأولاد، وهم قرة الأعين والروح وفلذ الاكباد.