السيادة بين النصوص الشرعية وإنكار المنكرين
16 سبتمبر، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد
تمهيد
كثُر في زماننا مَن يُنكرون إطلاق لفظ “سيّدنا” على رسول الله ﷺ، محتجّين بأنّ السيادة لله وحده. وهذا خلطٌ بين السيادة المطلقة التي هي من خصائص الله تعالى، وبين سيادة الفضل والتشريف التي أثبتها الله ورسوله للنبي ﷺ ولخيار الصحابة. والنصوص الصحيحة صريحة في ذلك.
أوّلًا: السيادة المثبتة للنبي ﷺ
1-قال رسول الله ﷺ
«أنا سيِّدُ ولدِ آدم يومَ القيامة، وأوّل من ينشقُّ عنه القبر، وأوّل شافع وأوّل مشفَّع» رواه مسلم (2278).
2- عن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: انطلقتُ في وفد بني عامر إلى رسول الله ﷺ فقلنا: أنت سيّدُنا. فقال:
«السيِّدُ الله تبارك وتعالى»
فقلنا: وأفضلُنا فضلًا وأعظمُنا طولًا. فقال:
«قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينَّكم الشيطان»
رواه أبو داود (4806) والبخاري في الأدب المفرد (873).
والمعنى: لم ينكر النبي ﷺ وصفه بالسيادة، إنما أرشدهم إلى أنّ السيادة المطلقة لله، أمّا هو ﷺ فسيّد الناس بالفضل والتشريف.
3- عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال حين أقبل سعد بن معاذ: «قوموا إلى سيّدكم»
رواه البخاري (3043) ومسلم (1768).
فإذا كان وصف السيادة يُطلق على أحد الصحابة، فالنبي ﷺ أولى بها.
ثانيًا: السيادة المثبتة لبعض الصحابة
قال رسول الله ﷺ: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة»
رواه الترمذي (3768) وقال: حسن صحيح.
وقال ﷺ في عبد الله بن سلام رضي الله عنه:
«جاء سيّدُ بني قينقاع»
رواه البخاري (3329) ومسلم (2483).
وقال ﷺ: «أبو بكر سيِّد كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين»
رواه الترمذي (3664) وقال: حسن غريب.
وقال سيدنا عمر بن الخطاب «بلال سيِّدُنا، أعتقه سيِّدُنا» يعني أبا بكر
رواه الترمذي (3686) وأحمد، وصححه بعض أهل العلم.
ثالثًا: أقوال العلماء
النووي: “فيه إثبات السيادة له ﷺ على جميع الخلق، واستحباب إطلاقها عليه تكريمًا وتعظيمًا” (شرح مسلم).
ابن حجر: “المراد أنّ السيادة المطلقة لله، وأمّا السيادة الإضافية فلا مانع منها” (فتح الباري 11/58).
السيوطي: “ثبت أنه ﷺ سيّد ولد آدم وسيّد الأولين والآخرين” (الدر المنثور).
ابن عابدين: “التوسّع بلفظ السيادة لرسول الله ﷺ من الأدب المطلوب ولا يُلتفت لمن أنكره” (رد المحتار).
رابعًا: الرد على المنكرين
1. دعوى أن السيادة لله وحده: نقول نعم، السيادة المطلقة لله، أمّا السيادة التشريفية فهي للنبي ﷺ.
2. دعوى أنّ النبي ﷺ نهى عن قول “سيّدنا”: بل أرشد إلى الأدب مع الله، ولم يمنع إطلاقها عليه ﷺ.
3. دعوى عدم ذكر “سيّدنا” في الصلاة: جمهور العلماء استحبّوا قول “اللهم صلِّ على سيّدنا محمد” في الصلاة وغيرها، وهو من كمال الأدب.
خاتمة
إطلاق لفظ “سيّدنا” على النبي ﷺ ثابت نصًّا في الأحاديث الصحيحة، وأقرّه العلماء، وهو من أخصّ حقوق الأدب والتوقير. فالسيادة المطلقة لله تعالى، وأمّا سيادة التشريف والاختصاص فهي لرسول الله ﷺ، كما قال ربنا:
{لِتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9].
فمن أنكر سيادته فقد أنكر نصوصًا صريحة، وخالف سبيل أهل العلم والأدب مع خير خلق الله.