خطورة الغضب


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

قال رجل: يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا تغضب”، فردد مراراً، قال: ًلا تغضب”

الغضب فطرة في الإنسان وجِبلة فيه إذا وقع ما يُغضبه، فكيف ينهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؟ والجواب أن الغضب منه المحمود كالغضب لله أو للتعدي على الأعراض والنفس والمال، ومنه المذموم كالغضب للهوى أو التشفي أو لشيء من الدنيا أو الاسترسال فيه.

وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأن الغضب يجعل العاقل مجنونا، واللبيب سكرانا، والكبير صغيرا، والبصير أعمى لا يرى، والسميع أصماً لا يسمع، والمتكلم غبياً لا يفهم ما يقول، فإذا غضب الإنسان فإنه لا يتحكم في نفسه ولا في أقواله ولا في أفعاله بل يصبح في يد الشيطان كالكرة في يد الصبيان يفعل به ما يشاء.

وبسبب الغضب وسرعته وكثرته يقع الإنسان في كل شر وذنب ومعصية وأذى وتعد، بل يوقعه في الكفر بكل يسر وسهولة؛ فالغضب مفتاح كل شر، وفي هذا يقول الإمام مجاهد رحمه الله قال إبليس: “ما أعجزني فيه بنو آدم فلن ‌يُعْجِزُونِي ‌في ‌ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخَزَامته فقدناه حيث شئنا، وعمل لنا بما أحببنا، وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم، ونبخله بما في يديه ونمنيه ما لا يقدر عليه”.

والغضوب المتهور من المفلسين، قال صلى الله عليه وسلم: “المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” فالغضبان كالسكران أو كالسيارة التي ليس لها كابح أو فرامل فتؤذي نفسها ومن حولها.

أما عن خطورة الغضب من الناحية الصحية، فكما يقول الأطباء إن جهاز المناعة تقل كفاءته عند ثورة الغضب والاستفزاز، فربما يصاب الإنسان بالضغط والسكري والاكتئاب وضيق النفس والقلق والأرق في منامه، فعلام يغضب الإنسان؟ ويحرق في دمه ويدمر أعصابه، والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الإنسان القوي: “ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، فليس الشديد الذي يصارع الناس ويغلب الناس بقوته وعضلاته، إنما القوي في الحقيقة هو من يتحكم في أعصابه وانفعالاته وغضبه.

قال الإمام الغزالي رحمه الله: “ومما يدل على أن الغضب من صفات النقص: أن المريض أسرع غضباً من الصحيح، والمرأة أسرع غضباً من الرجل، والصبي أسرع غضباً من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضباً من الكهل، وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضباً من صاحب الفضائل”، فالغضب ليس من صفات الرجال أو الكمال بل من صفات الناقصين بل هم من شر الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أصناف الناس: “ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء”، أي بطئ الرجوع والهدوء، تسترضيه فلا يرضى، وتستعطفه فلا يَعْطِف، وتعتذر إليه أو تدعوه للصلح فلا يقبل.

وفي المقال القادم إن شاء الله نتحدث عن علاج الغضب.