التصوف بين الجوهر والمظاهر


بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد

كثيرًا ما يظن البعض أن التصوف يدور فقط حول التوسل بالأولياء، وزيارة الأضرحة، والتبرك بالمقامات. وهذا التصور في حقيقته اختزال غير منصف، بل وخلط بين ما هو فقه وما هو تصوف.

إن مسائل التوسل والزيارة والتبرك هي في أصلها أحكام فقهية، تناولها العلماء في كتب الفقه، واختلفوا في تفاصيلها استنادًا إلى الأدلة. فهي مجال اجتهاد فقهي، يدرسه المتخصصون في الشريعة.

أما التصوف فجوهره تزكية النفوس، وتطهير القلوب من أمراضها، وتربية الإنسان على الإخلاص لله، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا. قال الإمام الجنيد: التصوف هو أن يميتك الحق عنك، ويحييك به لك. وهو في لبّه: أخلاقٌ وسلوك، ورحمةٌ وعلم، لا ينحصر في مجرد شعائر أو مظاهر.

لقد أنجب التصوف على مدى القرون أعلامًا كبارًا جمعوا بين العلم والتقوى، كالشيخ عبد القادر الجيلاني، والإمام أبي الحسن الشاذلي، والإمام الغزالي، وغيرهم من العلماء الربانيين الذين خدموا الدين ونشروا العلم.

ولهذا؛ فإن إنصاف التصوف يقتضي أن نراه مدرسة روحية وتربوية، مهمتها بناء الإنسان من الداخل، وربطه بالله، وإحياء معاني الرحمة والمحبة بين الناس، لا أن نحبسه في دائرة الممارسات الفقهية التي قد يقع فيها خلاف بين العلماء.

التصوف الحق: أن تعيش مع الله قلبًا وقالبًا، وأن تسلك طريق النبي ﷺ في أخلاقه ورحمته وصدقه وإخلاصه.