خطبة بعنوان ( الأثر الطيب بعد الرحيل من أهم أهداف دعوة الإسلام ) للدكتور محمد جاد قحيف
10 سبتمبر، 2025
خطب منبرية

خطبة بعنوان ( الأثر الطيب بعد الرحيل من أهم أهداف دعوة الإسلام )
للدكتور : محمد جاد قحيف
الحمد لله مقدر الأيام والشهور ، ومصرف الأعوام والدهور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتضاعف بها الأجور وتنفع صاحبها بعد الموت والدثور، وتنجي قائلها يوم البعث والنشور، سبحانه سبحانه الغفور الشكور ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ﷺ بعثه الحق سبحانه بالهداية والنور اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور ..وبعد:
فإن الذكر الجميل والثناء الحسن والصيت الطيب، والحمد الدائم للعبد بعد رحيله عن هذه الدار – نعمة عظيمة يختص الله بها من يشاء من عباده ممن بذلوا الخير والبر، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق، وجمعوا مع التقوى والصلاح مكارم الخصال وجميل الخلال..
يقولُ اللهُ تعالى ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾..
وفي هذه الآيةِ الكريمة يخبرُنا ربنا عن بعثِ الناسِ بعد موتهم يومَ القيامةِ لِيُجازيهم على أعمالهم فمن فعل خيراً سجل في موازين حسناته خيراً ، و من فعل شراً سجل في موازين سيائته شراً، يعني : كُتِبَ ما قَدَّموا منْ أعمال وآثارٍ لهذه الأعمالِ وكلُّ هذا في كتابٍ بيِّنٍ واضحٍ في القرآن الكريم، قال جل جلاله:
﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً ، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ..
وقال الشاعر الحكيم:
وَكُنْ رَجُلاً إِنْ أَتَوا بَعْدَهُ * يَقُولُونَ مَرَّ وَهَذَا الأَثَرُ ..
العنصر الأول: الأثر الطيب للرسل والأنبياء
لقد حرص على السمعة الطيبة والسيرة الحسنة، والذِّكْر الكريم، أفضلُ البشر، وأكرمُ الخلق، أنبياءُ الله ورسلُه -عليهم جميعا صلوات الله وسلامه-؛ فقد سألوا ربَّهم أن يهبهم الذكرَ الحسنَ، ولسانَ الصدق في الآخِرين..
فمن دعاء الخليل إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)..الشُّعَرَاءِ: 83-84..
والمعنى: رب اجعل لي ذكرًا جميلًا بين عبادك المؤمنين، واجعل لي أثرًا حسنًا فيمَن يأتي مِن بعدي..
سيدنا إبراهيم عليه السلام هو الإمام الذي سأل الإمامة لذريته من بعده؛ (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)[الْبَقَرَةِ: 124]..
ليس خليل الرحمن سيدنا ابراهيم عليه السلام فقط الكريم الذي انجب كراما ، بل كل ذريته من بعده خلد القرآن الكريم ذكرهم وأثرهم الطيب في هذه الحياة..
قال -جل في علاه-: ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ..) [ ص:45-48 ] أي شرف وثناء جميل يُذكَرون به، وقال -تعالى-: ( وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) [ مريم:50]، قال ابن عباس -رضي الله عنه- يعني: لهم الثناء الحسن ..
ولحقت دعوته المباركة ذريته من بعده، فكانوا ألسن صدق، وأئمة هدى، يتتابعون عبر القرون، من إسماعيل وإسحاق إلى نبينا محمد -عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه-، جموعٌ بعدَ جموعٍ من الأنبياء، والصِّدِّيقين، والصالحين إلى آخر لسان صدق من هذه الأمة المباركة، الأمة المحمدية، (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 129].
وهذه الأمة المحمدية خير أمة أُخرِجت للناس، إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وآمنت بربها ،من ذريته، وفيهم ما لا يُحصى من ألسن الصدق من الصحابة والتابعينَ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين؛ فأتباع الرسل لهم ميراثُ لسان صدق بحسب إيمانهم، وطاعتهم، وخدمتهم لدين الله، وينقُص حظُّهم بقدرِ تقصيرِهم، وبُعدِهم عن نَهْجِ الخليلِ وذريته، نهجِ الملةِ الحنيفيةِ”..
العنصر الثاني : النبي ﷺ أعظم الناس أثرا وأرفعهم ذكرا ..
إن أرفع الناس قدرا وأبقاهم ذكرا، وأعظمهم شرفا وأكثرهم للخلق نفعا النبي المعظَّم والرسول المكرَّم نبيُّنا وسيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله -تعالى- عنه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [ الشرح 4]..
وقوله : ( ورفعنا لك ذكرك ) ..
قال مجاهد : لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله .
وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله “.. تفسير ابن كثير..
قال شاعر الرسول سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح رسولنا ﷺ :
أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ
مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ
وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ،
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ
وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ،
فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ
نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَة ٍ
منَ الرسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ
فَأمْسَى سِرَاجاً مُسْتَنيراً وَهَادِياً،
يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ المُهَنَّدُ
وأنذرنا ناراً، وبشرَ جنة ً،
وعلمنا الإسلامَ، فاللهَ نحمدُ
وأنتَ إلهَ الخلقِ ربي وخالقي،
بذلكَ ما عمرتُ فيا لناسِ أشهدُ
تَعَالَيْتَ رَبَّ الناسِ عن قَوْل مَن دَعا
سِوَاكَ إلهاً، أنْتَ أعْلَى وَأمْجَدُ
لكَ الخلقُ والنعماءُ، والأمرُ كلهُ،
فإيّاكَ نَسْتَهْدي، وإيّاكَ نَعْبُد..
معاشر الأحبة: وهذه وقفة مع حرص نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على تربية أصحابه على الحفاظ على السمعة الحسنة، والبُعد عن كل ما يخدشها في حق الإسلام، وأهل الإسلام، فقال لهم حين أشار بعضُهم بقتل عبد الله بن أبي ابن أبي سلول رأس المنافقين، وزعيمهم وعقلهم قال: “لا، حتى لا يتحدَّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه”(متفق عليه)؛ حرصًا منه -عليه الصلاة والسلام- على سمعة الدعوة وسمعة الدين، الذي أشرقت بنوره مشارق الأرض ومغاربها، وفي قصة زوجه أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها- قال لرجلين: “على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله! يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال: شيئًا”(متفق عليه)..
العنصر الثالث: أهل العلم والإيمان أحياء بذكرهم الحسن بعد رحيلهم ..
كم من العلماء والفطناء والعظماء قد غيبهم الأجل وطواهم الموت، ولا زالت مذاكرهم وآثارهم وممادحهم ومفاخرهم تبعث في المجالس طيباً وأريجاً، يحمل الناس على عمل الخير ، وفعل الجميل ، والاقتداء الحسن ..
قد مات قـوم وما ماتت مكارمهم * وعاش قوم وهم في الناس أموات ..
إن قيـل مـات فلم يمت من ذكره * حـي على مـر الأيام باقـي..
ويموت أناس فلا يُؤسَى على فراقهم ولا يحزن على فقدهم؛ فلم يكن لهم آثارٌ صالحة ولا أعمالٌ نافعة ولا إحسانٌ إلى الخلق ولا بذل ولا شفقة ولا عطف ولا رحمة ولا خلق حسن.. يقول الله – تعالى- في أمثال هؤلاء: ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ.. ) [الدخان 29].
لا يـرى لهم في الأرض شاكر * ولا لهـم بالخـير ذاكـر
كأنهم قَطُّ ما كانوا ولا وجدوا * ومات ذكرهم بين الورى..
والمسلم لا يبذل الخير اجتلاباً للمدحة، ولا طمعاً في الثناء، ولا رغبة في الذكر، ولكن من بذل الخير بنيةٍ خالصة وقصد حسن قَبِل الله سعيَه، ووضع له القبول والحب بين عباده، ونشر له الذكر الحسن، والثناء والدعاء في حياته وبعد مماته؛عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع، وأهل النار من ملأ الله أذنيه ثناء الناس شراً وهو يسمع ” أخرجه ابن ماجه..
وقد قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مَرْيَمَ: 96]؛ أي: حبا في قلوب عباده، وثناء حسنا، شرفاء معظمون، إن غابوا اشتاقت لهم النفوس، وإن فقدوا بكتهم الأعين والقلوب..
يا اخا الإسلام إن الأثر المستمر بعد وفاتك ، والسيرة الحسنة ، التي يذكرك الناس بها بعد رحيلك ، هي نعمة من نعم الله عز وجل ، وكم من إنسان لما رحل عن دنيانا ، لهجت الألسن بالدعاء له ، وبكت العيون على فراقه ، وتسابق الناس في تعداد مآثره ، وعلى النقيض تماما ، كم من إنسان مات ومات ذكره معه !..
وعلى كل عاقل أن يسأل نفسه بصدق :
ماذا سأكتب على جدار الزمان ؟!
ما الأثر الذي سأتركه بعد الرحيل ؟!
ماذا سيبقى لي إذا طويت آخر صفحة من صفحات عمري ؟!
إن هذه الأسئلة الملحة ينبغي أن تكون دافعا ومحفزا لنا إلى ترك بصمات لنا بعد مماتنا ، إلى ترك أثر لنا يستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..
العنصر الرابع : من الآثار الطيبة التي حث عليها الإسلام ..
دعونا نتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم« إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ ، مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »..
أخرجه الإمام مسلم ..
فهذا الحديث يبين لنا بشكل واضح ثلاثة أنواع من الآثار التي تستمر لك بعد وفاتك ، وتكون أجورا مستمرة تثقل حسناتك وأنت في قبرك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
أولها : الصدقة الجارية ..
ثانيها : العلم النافع ..
أولا : الصدقة الجارية ..
إن من أكثر الأعمال نماءً، وأعظمها أجرًا وثوابًا: الصدقةَ والإنفاق في سبيل الله تعالى، فما أربحَها والله من تجارة، تُقرِضُ الله جنيهًا واحدًا هو في غنى عنه سبحانه وتعالى، ثم يردُّه إليك آلافًا بل ملايين من الحسنات النافعة التي هي كنز عظيم لا ينفد..
قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245].
فتصدَّق يا أخي بما تيسَّر لك ولو بجنيهٍ واحد، وإذا وسَّع الله عليك في الرزقِ فزِدْ في الصدقةِ؛ فإن هذه واللهِ الغايةُ التي لأجلها يجمَعُ الصالحون المال، وأما الذين يجمعون يَكنِزُونه، ولا يتصدَّقون ولا يُنفِقون؛ فإنهم مِن أَغْبَن الناس حظًّا، وأعظمهم خسارةً؛ فإنهم يجمعون ما يتمتَّع به غيرُهم، وهم عنه يوم القيامة يُسألون، فيا ليتَهم تصدَّقوا مِن أموالهم؛ إذًا والله لسعدوا وفازوا..
ولقد كان في تاريخنا الإسلاميِّ أوقافٌ أوقفها رجال صالحون، فماتوا وبقِيَت أوقافهم ينتفع بها المسلمون أزمنة مديدة، فوالله إنَّا لَنَغْبِطُهم على ذلك، ونرجو الله أن يُوفِّقنا لمثل هذا الخير العظيم قبل وفاتنا..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر، لم أُصِبْ مالًا قط هو أنفَسُ عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: ((إن شئتَ حبستَ أصلها، وتصدقت بها))، قال: فتصدَّق بها عمر، أنه لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يورث، ولا يوهب، قال: فتصدق عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على مَن وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقًا غير مُتموِّلٍ فيه”؛ أخرجه مسلم..
هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جيش العُسْرة: ((مَن يُنفِقُ نفقةً متقبَّلة؟))، والناس مجهَدون معسرون، فجهَّزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن رُومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمنٍ، فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم، نعم، وأشياء عدَّدها؛ أخرجه الإمام الترمذي بسند صحيح..
ويقال: إن هذه البئر هي أولُ سبيلٍ لسقي الماء في الإسلام، وثاني وقف خيرٍ بعد أرضِ المسجد النبوي، وقد أثمرت هذه البئرُ أشجارًا ومزارع ومباني وحدائق، بل أصبحت حيًّا كاملًا مِن أراضي أحياء المدينة المنورة، بل وصل الأمر إلى أن ما تدرُّه “مزرعة بئر عثمان” مِن أرباح تحوَّلت إلى حساب بنكي باسم عثمان بن عفان في البنوك السعودية، تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، باعتبار أن البئرَ وما استجد حولها من منشآت وقفٌ أوقفه الخليفة عثمان رضي الله عنه.
والله إنَّا لنغبِطُ رجلًا من الصالحين في عصرنا المهندس صلاح عطية رحمه الله تعالى الذي أسس العديد من المعاهد والكليات الأزهرية ، وخطواتها العملية التي عادت بالنفع عليه في ميزان حسناته إن شاء الله، وفي موازين حسنات كل من تعاون معه ، وعادت بالنفع أيضا على كثير من القرى والمدن المصرية..
مثال آخر رجل الخير صالح بن عبدالعزيز الراجحي منَّ الله به عليه مِن الخير العظيم ؛ فلقد أوقف مزرعةَ نخيلٍ، فيها مائتا ألف نخلة، يُوزَّع تمرُها على الحُجَّاج والمعتمِرين في أرض الحرمين الشريفين، وعلى الجمعيات الخيرية، فهنيئًا له، وفي ذلك فليتنافَسِ المتنافسون.
فاحرِصْ يا أخي على مثل هذا، إذا فتح الله عليك مِن واسع فضله، وزاد في رزقك، فاغتَنِمْ هذا المال في إطعام الجوعي والاهتمام بقضايا المسلمين الكبرى خاصة أهلنا في فلسطين ، فإنك تُؤجَر على هذا وأنت في قبرك ما انتفع به الخلق مِن إنسان، بل حيوان، كما يأتي بيانه..
ومن المشاريع النافعة غرس الأشجار المثمرة أتمنى أن أرى في منطقتنا مشروع المليون نخلة ، فينتفع الناس بثمرها وخيرها..
فلا تحرم نفسك من الخير ، ولا تبخل على نفسك من الحسنات المستمرة لتكون رصيدا لك يستمر بعد وفاتك ، ولو أن تساهم بمبلغ يسير لا يتجاوز المئة جنيه او عشرة ريال في وقف دعوي خيري في جمعية رسمية ، أو أن تساهم في بناء مسجد أو عمل من أعمال الخير ..
الأفكار المثمرة التي تنفعك بعد الموت كثيرة ويسيرة ، فقط اتخذ قرارك وابدأ في زيادة رصيدك بعد الموت ، فمن يدري ربما لا تجد أحد يعمل لك ما يثقل ميزانك بعد وفاتك ، وكم نعرف ممن امتلك الأموال وما بنى لله مسجدا أو قدم شيئا ، فترك أمواله لورثته اقتسموها وتركوه لمصيره !..
ثانيها : العلم النافع والدعوة إلى الله تعالى ..
إن تعلم العلم النافع وتعليمه والدعوة إلى الله وسَنُّ سُنة حسنة:
إن مِن أعظم الأعمال أجرًا وثوابًا بعد الموت الدعوةَ إلى طريق ربِّ العالَمين، وإرشاد الحائرين، وهداية الضالِّين، ولأجل هذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: ((والله لأَنْ يُهدَى بك رجل واحدٌ، خيرٌ لك مِن حُمْر النَّعَم))؛ متفق عليه.
إنها لتجارةٌ رابحة أن تأخذَ أجرًا على ما لم تعمل يدُك، لقد كنت سببًا في هداية غيرك، فكلُّ ما يعمله مِن خير يُكتَب لك مِن الأجر مثلُ ما يكتب له، فهنيئًا لكم يا دعاة الهُدى!
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن دعا إلى هدًى كان له مِن الأجر مثلُ أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مِن تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا))؛ أخرجه الإمام مسلم.
وعن جَرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجتابِي النِّمار أو العَبَاء، مُتقلِّدي السيوف، عامَّتُهم مِن مُضَر، بل كلهم مِن مُضَر؛ فتمعرَّ وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1]، إلى آخر الآية ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، ((تصدَّق رجلٌ مِن ديناره، مِن درهمه، مِن ثوبه، مِن صاع بُرِّه، مِن صاع تمره))، حتى قال: ((ولو بشِقِّ تَمرة))، قال: فجاء رجل مِن الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كفُّه تَعجِزُ عنها، بل قد عَجَزَتْ، قال: ثم تتابَعَ الناس حتى رأيت كَوْمينِ مِن طعام وثياب، حتى رأيت وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنه مُذْهَبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سنَّ في الإسلام سُنة حسنة، فله أجرُها وأجرُ مَن عمِل بها بعده، مِن غير أن ينقص مِن أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنة سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزرُ مَن عمل بها مِن بعده، مِن غير أن ينقص من أوزارهم شيء))؛ سبق تخريجه ..
قال ابن القيم رحمه الله في “طريق الهجرتين”:
“قد ذكرنا مائتي دليلٍ على فضل العلم وأهله في كتاب مُفرَد، فيا لها مِن مرتبةٍ ما أعلاها، ومنقبة ما أجلَّها وأسناها! أن يكون المرءُ في حياته مشغولًا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاءً متمزِّقة، وأوصالًا مُتفرِّقة، وصحفُ حسناته متزايدة يُملى فيها الحسنات كل وقت، وأعمال الخير مُهداة إليه مِن حيث لا يحتسب، تلك واللهِ المكارمُ والغنائم، وفي ذلك فليتنافَسِ المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وحقيقٌ بمرتبةٍ هذا شأنُها أن تُنفَق نفائسُ الأنفاس عليها، ويسبِق السابقون إليها، وُتوفَّر عليها الأوقات، وتتوجَّه نحوها الطلبات،
فانشُرْ علمًا نافعًا تنعَمْ في قبرك ويَزِدِ اللهُ في أجرك، وانظُرْ كم انتفع خلقٌ لا يحصيهم إلا الله تعالى بكتابٍ مثلِ صحيح البخاري، ولا ريب أن كل قارئٍ حديثًا أخرجه البخاريُّ للبخاري رحمه الله فيه مِن الأجر والثواب الحظُّ الكبير..
وواللهِ ما كتبت مقالا أو كلمة إلا دعوت ورجوتُ الله أن يكتبَ لي بها ثوابًا بعد موتي، وهذه الغايةُ التي لأجلها يُتعلَّم العلم، بعد إخلاص العبادة لله تعالى لا ريب..
فاحرِصْ يا أخي على نشرِ العلم النافع بما تيسَّر لك،واجتهِدْ في نشر العلم النافع وتبليغ سُنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتفِعْ مِن الأجهزة الحديثة في ذلك، واعلَمْ أنك تنالُ في ذلك ثوابًا عظيمًا، ويكفيك واللهِ دعاءُ النبي صلى الله عليه وسلم لك بنَضْرة الوجه؛ ففي الحديث: ((نضَّر اللهُ امرأً سمِع مقالتي فوعاها وحفِظها وبلَّغها))؛ أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، بسند حسن..
ملتقى الخطباء
يا عبدَ الله : هبْ أَنَّكَ الآن في قبرك ، ما هو العمل الذي يفرج ويوسع قبرك وينوره ، وما هو المشروعُ الذي تريد أن يُثْبَتَ في صحيفةِ عملِك عند لقاء الله جل جلاله؟ تأمَّل مشوارَ حياتِك ، فقد يُرزق الإنسانُ عُمَراً مَدِيدا ومالاً عَديداً، وَيَمُوتُ يوم يموتُ بِلا أثَرٍ يذكرُ، أو عملٍ عليه يشكر، وهذا منَ الحرمانِ والـخُسرانِ ، وقد يعيش بعضُهم عُمُراً قصيراً ، ويرحلُ بأثرٍ طيِّبٍ يـُخَلِّدُ ذكراه ، فشمّرْ عن ساعدِ الجدِّ ، ولا تَذْهَبْ من الدنيا ، قبل أن تكون لك بصمةٌ في صلاحِ مجتمعِك ، ومن الدُّعاةِ لدينك ، بالتخلقِ بأخلاقِه الكريمةِ الطَّيِّبةِ ، وبالقدوةِ الحسنةِ في سلوكِك وأفعالِك ، فبهذه الأعمالِ الطيبةِ تضيفُ إلى عمرِك الحقيقي عمرٌ ثاني ..
فهَبْ أَنَّكَ مِتَّ الآن ؟؟ فما آثَارُكَ بعد الموت؟؟ ما الأعمالُ المباركةُ التي تُنْسَبُ إليك بعد موتك، وتنالُ عليها أجرًا ؟؟ كَمْ مُسْلِمًا علَّمتَ؟ كم تائهًا إلى طريقِ الحقِّ هديتَ؟ كم كلمةً طَيِّبَةً غرست؟ كم معروفا صنعت ؟ كم مرةً بين متخاصمين أصلحت ؟ كم حديثًا عن رسول صلى الله عليه وسلم بلَّغْت ؟ وَرَسُولَنَا صلى الله عليه وسلم يَقُول « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً . فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا مِنَ اَلأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ ، لَيْسَتْ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالْأَثَرِ الطَّيِّبِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ ؛ سَبَبُهَا وَهُوَ الْمُتَوَفَّى أَوَّلًا، وَالْقَائِمُ بِذَلِكَ الْأَثَرِ الْمُبَاشِرِ لَهُ، ثُمَّ الْمُجْتَمَعُ مِنْ حَوْلِهِ وَمَنْ سَمِعَ أَوْ رَأَى..
ومن هنا فالأعمال الصالحة التي تفتح للموفقين فيرضى الله بها عنهم ويرضي بها الخلق ويلحقهم أجرها بعد الممات – حبس النفس للتعلم، وإقراء القرآن والتحديث، ونشر العقيدة الصحيحة، والتصدر للإفادة والتصدير والتأليف، وطباعة الكتب النافعة، وبناء المدارس والمساجد والمشافي، وإطعام الجائع ، وسقي الماء وحفر الآبار، وكثرة الصدقة وإدامة البر والإحسان، والشفقة على الضعاف وتزويج المعدوم، وإعطاء المحروم وإنصاف المظلوم، والأداء عن المحبوس، وقضاء الحوائج ومواساة الفقراء، وإدخال السرور على المرضى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، والإصلاح بين المتخاصمين، وجمع كلمة الأمة على الخير والهدى، والتقوى والصلاح، إلى غير ذلك من طرق الخير ووجوه البر ..
ومن الأمور التي تجعل لك أثرا معنويا مهما بعد وفاتك كذلك : حسن الخلق ، ولين المعشر ، وطيب التعامل مع الناس ، وقضاء حوائجهم ، مبتغيا بذلك وجه الله ، فإن ذلك إضافة إلى كونه من الأعمال الصالحة الحسنة التي يعود أجرها لك فإنه أيضا أثر طيب لك يستمر بعد وفاتك فيذكرك الناس بالخير ..
أوصى رجلٌ بنيه، فقال: ” يا بني عاشروا الناس معاشرةً إن غبتم عنهم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم “..
وكان الرافعي رحمه الله يقول: “إذا لم تزد شيئًا على الحياة، كنت زائدًا عليها”..
أما الحقود الحسود والفاحش البذيء، وصاحب الظلم والكبر والهوى، والذي يعامل الناس بالغلظة والقسوة والشدة يقطع الله الذكر الحسن عنه، ويبقى له البغض في الأرض، والذم من الخلق..
وعن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا أراد الله بعبد خير عسَّله ” قيل: يا رسول الله وما عسله؟ قال: ” فتح له عملاً صالحاً بين يدي موته؛ حتى يرضي عنه من حوله ” أخرجه أحمد وابن حبان، قال ابن قتيبة: ” قوله: عسله أراه مأخوذاً من العسل.. شبه العمل الصالح الذي يفتح للعبد حتى يرضى الناس عنه ويطيب ذكره فيهم بالعسل “..
ثالثها : الولد الصالح ..
ثالث الأعمال النافعة للإنسان بعد رحيله حسن تربية الأولاد وصلاحهم وإصلاحهم ..
إن صلاح أولادنا عن طريق حسن التربية على أصول الإيمان والعقيدة ، والتعويد على الصلاة والصيام والصدقة ، وغيرها من فرائض الإسلام وشعائره ، وتربية الأولاد على خلق المراقبة ، و أن نغرس فيهم منهاج نبينا في جميع شئون الحياة، وذلك بتعليمهم آداب الإسلام وأخلاقه التي حثتا عليها الشارع الحكيم..
وإن صلاح الأولاد في عداد ميزان حسنات الآباء والأمهات ..
أيها الآباء والأمهات الكرماء اعلموا أنكم مسئولون يوم القيامة عن أولادكم، يقول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا”( متفق عليه) . والراعي هو الحافظ المؤتمن القائم بمصالح الأولاد في الدنيا والآخرة..
إن الله سبحانه وتعالى سائل كل والد عن ولده يوم القيامة قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]..
(قُوا أَنفُسَكُمْ)؛ علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار ، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله ، واعملوا بطاعة الله . وقوله : ( وأهليكم نارا ) يقول : وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار .
(تفسير الإمام الطبري).
فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا..
وإن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين عظيمين”،”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”..
واعلموا إخوة الإسلام أن التربية الطيِّبة لا تُثمرُ إلا ثَمرَةً طيِّبةً، والتربية السيئة لا تُثْمرُ إلا ثَمرةً خَبيثةً..﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [الأعراف: 58].
وختاما :
تأمَّل يا أخي ما سبق ذكره من أعمال الخير ، واحرص على أن يكون لك منها الحظ الوافر والنصيب الأكبر، وسارِعْ إليها قبل انقضاء الأعمار، وانصرام الآجال..
فمَن مات قد انقطع عن دارِ العمل، وانتقل إلى دار الجزاء والحساب، فالحياةُ فرصةٌ عظيمة للأحياء ليعمَلوا الصالحات، ويتزوَّدوا مِن الطاعات، ويستغفروا من السيئات،
وإن من علامات التوفيق والسداد: أن يترك العبد أثرًا طيبًا بعد رحيله من هذه الحياة الدنيا، يُذكر به ويُترحم عليه، ويكتب له الأجر والثواب بعد موته..
قال تعالى :
“يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ”
[غافر: 39].
وإِنَّ الآثَار الطَّيِّبَة والسِّيرَةَ الْحَسَنَةَ -قَوْلًا وَسُلُوكًا- بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ هِيَ عُمْرٌ ثَانٍ، وسبب مباشر للتَّرَحُّمِ عَلَى صَاحِبِ تِلْكَ الْآثَارِ الطَّيِّبَةِ وَالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ، وَصَدَقَ شَوْقِي يَوْمَ قَالَ:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ * إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا * فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي..
نسأل الله تعالى أن يَجْعلنا مِمّنْ طابَ ذِكْرُهُم ، وحَسُنَتْ سِيرَتُهُم ، وَخَلُصَ عَمَلُهُم وَاسْتَمَرَّ أجْرُهُمْ فِي حَياتِهِمْ وَبَعْدَ مَوْتِهِم ،واللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، واحفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين من كل سوء يارب العالمين ولا تحقق لأعدائنا هدفا ولا غاية ولا ترفع لهم راية إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعاء يارب العالمين