العالِم في مواجهة الإعلام والجهل

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو
( الأزهرى البابي الحلبي )

سياسة غمر العلماء وإبراز الدعاة والوعاظ الجدد

واقع مؤسف  لأولي الألباب

من أعجب مشاهد زماننا أن ترى فتاة من أهل التغريد، تعلق في صفحة لعالم من علماء الأمة: “أنت شيخ، فابقَ في دينك ولا تفهم في غيره!”.

وهذه الكلمة ـ وإن خرجت بغير روية ـ هي مرآة لانقلاب القيم، ودليل على أن الموازين قد سقطت، إذ لم يعد العالم إماما يُقتدى به، ولا قائدا يُهتدى بنوره، بل صار عند العامة موظفا محصورا في جدران المسجد وزوايا الشعائر.

وهذا من أخطر أمراض المجتمع؛ لأن العالم ليس حافظا لأحكام الطهارة والصلاة فحسب،
بل هو قائد في الفكر، ومصلح في السياسة، وموجّه في الاجتماع، وزعيم في الأزمات. ولن تفلح أمة جعلت القيادة في يد المغني والممثل واللاعب، وتركت رجال العلم الرباني وراء الستار.

لقد أرادت الحكومات الفاسدة أن تحصر دور العلماء في نطاق ضيق، فأذلتهم بالمال، وأقصتهم بالمناصب، وساعد الإعلام على تشويه صورتهم حتى غُرس في أذهان الناس أن الشيخ لا شأن له إلا في خطبة الجمعة أو جنازة عابرة.

ثم جاء العامة، فزادوا الجناية على علمائهم بالاستخفاف بهم، حتى صار الفقيه غريبا في قومه، مطاردا بين قسوة الحكام وجهالة العوام.

وهنا أصل الداء: أن الأمة توهمت أن العلوم التجريبية وحدها تبني الحضارة،
فرفعت شأن الطبيب والمهندس، وأهملت علوم الشرع التي هي قوام الإنسان قبل أن تكون قوام العمران.
وما علموا أن الحضارة إذا انفصلت عن الدين، صارت جسدا بلا روح، وأن القانون لا يُصلح مجتمعا إن لم يكن قائما على ميزان الشرع والخوف من الله.

ومن العجب بعد ذلك أن نسمع من يتشدق قائلا: “أين علماء الأزهر مما يجري؟”
وكأنهم يتناسون أنهم هم الذين أسقطوا هيبة علمائهم، حتى صار العالم يكتفي بدرء الظلم عن نفسه وعن طلابه، ويؤثر الصمت اتقاءً لبطش السلطان وسطوة الإعلام وتواطؤ الفرقاء.

لقد اجتمع على أهل العلم في زماننا ثلاثيٌّ خطير: علمانية تريد الدين غريبا، وسلفية شوّهت الدين، وإعلام جعل كل شيء سلعة للضحك والسخرية.

وزاد على ذلك جهل الجماهير المخدوعة، فكان نصيب العلماء الاغتراب، وصدق فيهم قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «طوبى للغرباء».

حفظ الله الأزهر وعلماء الأمة، فهم ـ على غربتهم ـ بقية البقية، ونور هذا الظلام.
ولْيَعلم الناس أن أمة تسقط فيها مكانة العلماء، إنما تُسقط نفسها قبل أن تسقطهم.