الاخيَارُ والأبدَالُ وَالنُّجَبَاءُ

من ديوان أهل الذكر لسيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه

يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف

الاخيَارُ والأبدَالُ وَالنُّجَبَاءُ :

أَخْرَجَ الطَّبرانِىُّ ، وَأَبُو نُعَيْمٍ ، وَابْنُ عَسَاكِرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ “رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا” قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ” صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ” : ( خِيَارُ أُمّتِى فى كُلِّ قَرْنٍ خَمْسُمَائَةٍ ، والأبدَالُ أَرْبَعُونَ ، فَلَا الخَمْسُمَائَة يَنْقُصُونَ ، وَلَا الأربَعُونَ ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أُبْدِلَ مِنَ الخَمْسُمَائَةِ مَكَانَهُ) قَالُوا: (يارسولَ اللهِ دُلَّنَا عَلَى أَعْمَالِهِمْ )، قَالَ : ( يَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيهِمْ ، ويَتوَاسَوْنَ فِيمَا أَتَاهُمْ اللهُ “عَزَّ وَجَلَّ” ).

قُلْنَا : والأخيارُ الخَمْسُمَائَة ، هُمْ الْمُتَّفَقُ عَلَى تَسْمِيَتِهِمْ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ بالأقطابِ يَعْنِى صَفْوَةَ الأولياءِ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فى مُسْنَدِهِ عَنْ شُرَيْحٍ ، قَالَ : قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ :” سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الأبدالُ بالشامِ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلَاً ، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلَاً ، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثَ ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمُ عَلَى الأعداءِ وَيُصْـرَفُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ بِهِمُ الْعَذَابُ).

وَأَخْرَجَ الطبرانى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ “رَضِىَ اللَّهُ عَنْه” قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَزَالُ أَرْبَعُونَ رَجُلَاً مِنْ أُمّتِى قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ إبراهيمَ عَلَيهِ السَّلامُ ، يَدْفَعُ اللهُ بِهِمْ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ يُقَالُ لَهُمْ الأبدالُ ، إِنَّهُمْ لَم يُدْرِكُوهَا بِصَلاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ ) قَالُوا : يارسولَ اللهِ فَبِمَ أَدْرَكُوهَا ؟ قَالَ: (بِالسَّخَاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ) . وَأَخْرَجَ الطبرانى ، فى الأوسطِ عَنْ أَنَسٍ “رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ” قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( لَنْ تَخْلُوَ الأرضُ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلَاً ، فَبِهِمْ تُسْقَوْنَ . وَبِهِمْ تُنْصَرُونَ مَا مَاتَ رَجُلٌ إلّا أَبَدَلَ اللهُ مَكَانَهُ آخَرَ) .

وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عباسٍ ، عَنْ عَلِىٍّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ : (الأبدالُ مِنَ الشامِ ، وَالنُّجَبَاءُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، والأخيارُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ).

وَمِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّصُوصِ التى يَعْتَضِدُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، فَتَأْخُذَ الرُّتْبَةَ التى تَسْتَعْلِى عَلَى الطَّعْنِ والتَّجرِيحِ ، فى مِثْلِ مَوْضُوعِهَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ :

أَوَّلَاً : مِنْ عَامَّةِ الصُّوفِيَّةِ الصَّادِقِينَ يَخْتَارُ اللهُ السَّادَةَ وَهُمْ ( الْمُفْرَدُونَ ) الَّذِينَ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافَاً كَالْغَمَامِ لَا يُحْصِيهِمْ عَدَدٌ ، كَمَا جَاءَ فى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ . وَأُولَئِكَ هُمُ الأولياءُ .

ثَانِيَاً : مِنَ ( الْمُفْرَدِينَ ) يَخْتَارُ اللهُ ( الأخيارَ ) الخمسمائة وَلَفْظُ الأخيارِ فِيهِ مَعْنَى الْاخْتِيَارِ وَالْاصْطِفاءِ ، وَهَؤُلَاءِ الأخيارُ هُمْ أَقطابُ الأمَّةِ ، فَهُمْ خُلاَصَةُ الأوليَاءِ ( الْمُفْرَدِينَ).

ثَالِثَاً : مِنَ الأخيارِ الخَمْسِمَائَةٍ وَهُمْ الأقطابُ يَخْتَارُ اللهُ ( الأبدالَ ) أَرْبَعِينَ رَجُلَاً . كُلَّمَا مَاتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ بَدَّلَهُ اللهُ بِرَجُلٍ مِنَ الخَمْسِمَائَةِ .

رَابِعَاً : مِنَ الأبدالِ يَخْتَارُ اللهُ النُّجَبَاءَ ، وَهُمْ الأربعةُ الْخَوَاصُّ . مِنْ أَهْلِ القُطْبَانِيَّةِ العُظْمَى .

خامِسَاً : مِنَ الأربعةِ الْخَوَاصِّ يَخْتَارُ اللهُ ( الْغَوْثَ ) الذى هُوَ وَارِثُ الْمَقَامِ المُحَمَّدِىِّ حَالَا وَفِعالَا وَمَقَالَاً ، وَيُسَمَّى الْغَوْثَ لِأَنَّ اللهَ يُغِيثُ الْعِبَادَ بِبَرَكَتِهِ وَتَوَجُّهَاتِهِ وَلِأَنَّ الْمُسْتَغِيثَ بِهِ إِلَى اللهِ مُسْتَجَابُ الْوَسِيلَةِ .

وَكَمَا أَنَّ هَذَا الْغَوْثَ عِنْدَهُمْ هُوَ وَارِثُ الْمَقَامِ المُحَمَّدِىِّ الأعظمِ فَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ الأقطابَ الأربعةَ، كُلٌّ مِنْهُمْ وَارِثٌ لِلْمَقَامِ الرُّوحىِّ لِوَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، أَبِى بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وعثمانَ وَعَلِىٍّ ” رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ ” أَجمعِينَ. كَمَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ بَقِيَّةَ الأقطابِ عَلَى أقدامِ الْخِيرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ ” رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ” جميعاً .

وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّفْوَةَ كَانُوا عَلَى أَقدامِ الأنبياءِ وَالْمُرْسَلِينَ . وَهَذَا التَّرْتِيبُ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ الْعِلْمِ وَلَا مَعَ الْعَقْلِ وَلَا مَعَ الدِّينِ فى شىءٍ فَإِنَّهُ لابُدَّ مِنْ جَمَاعَةٍ هى خَيرٌ مِنْ جَمَاعَةٍ ( هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ). (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا مِنَّا إلّا لَهُ مُقَامٌ مَعْلُومٌ ) ثُمَّ إِنَّ طَبِيعَةَ التَّفَاضُلِ تَقْتَضِى أَنَّهُ لابُدَّ مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ مَنْزِلَةٌ هِىَ أَفْضَلُ مَنَازِلِ أَهْلِ عَصْرِهِ . فَهُوَ سَيِّدُ هَذَا الْعَصْرِ وَصَاحِبُ وَقْتِهِ . وَهُوَ الذى يُسَمِّيهِ الصُّوفِيَّةُ الْقُطْبَ الأعظمَ أَوْ الْغَوْثَ . وَلَا يَعْنِينَا التّسمِياتِ ، بِقَدْرِ مَا تَعْنِينَا الْحَقِيقَةَ الْفِعْلِيَّةَ الْوَاقِعَةَ .

وَلَيْسَ أَحَدٌّ مُلْزَمَاً بِاعْتِقادِ هَذَا التَّرْتِيبِ فَبَعْضُ السّادَةِ يُخَالِفُ عَنْه ، بِحَسَبِ ذَوْقِهِ وَحالِهِ ، وَكَشْفِهِ وَمَقَامِهِ كَمَا لَا يَكُونُ اعْتِقادُهُ إثْمَاً كَذَلِكَ . وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ مُنَسَّقٌ مَعَ السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ ، وَمُؤَيَّدٌ بِالْخَبَرِ النَّبوِىِّ ، والإدراكِ الصَّحِيحِ وَكُلُّ امرِئٍ حُرٌّ فِيمَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ فِيهِ . إلّا فى إنكارِهِ نِهائِيّاً ، فَتِلْكَ مُجَازَفَةٌ عِلْمِيَّةٌ ، وَوَاقِعِيَّةٌ لَا ينبغى لِأَهْلِ الْحَقِّ وَلَا تَكُونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأيَّةِ حالٍ . وَإِنَّمَا هِىَ مِنَ التَّعَصُّبِ وَالْجُمُودِ العَقْلِىِّ ، والتَّخلُّفِ العِلمِىِّ والرُّوحِىِّ ، وَمِنْ عَمَى الْبَصائِرِ وَالْقُلُوبِ