الوهابية بين الجفاء والغلو


بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد

إنّ الدين الإسلامي بُني على أركان راسخة؛ قوامها الرحمة، وروحها المحبة، ولبّها الاعتدال. فالنبي ﷺ جاء رحمةً للعالمين، ولم يكن دعوته سوى إشراقة محبةٍ تفتح القلوب على الله، وتؤلِّف بين العباد. غير أنّ بعض التيارات التي ظهرت في عصور متأخرة خرجت عن هذا النهج الرباني، وفي مقدمتها الوهابية، التي لم تُعنَ بغرس المحبة في القلوب بقدر ما انشغلت بتصدير الجفاء والتشدد والغلو.

فالمحبة في الإسلام ليست أمرًا ثانويًا، بل هي جوهر العلاقة بالله ورسوله، ومحرك السلوك بين المؤمنين. يقول النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». بينما الخطاب الوهابي قائم على تضييق واسع، ونفي ما سوى رأيهم، وتجريد التدين من بعده الروحي والقلبي. فصارت العبادة عندهم جافة لا دفء فيها، والاتباع عندهم شكلاً بلا روح.

لقد شوّهت الوهابية مفهوم الاتباع، فبدل أن يكون الاتباع اقتداءً بالنبي ﷺ في رحمته وخلقه، جعلوه محصورًا في أحكام ظاهرية متشددة، يرفعونها سيوفًا على رقاب الأمة. بل اتسع غلوهم حتى صاروا يحكمون على جمهور المسلمين بالبدعة والضلال، لمجرد أنهم اختاروا التعبير عن محبتهم لرسول الله ﷺ بمدحه والفرح بمولده، أو بلزوم مجالس الذكر التي تحيي القلوب.

هذا النهج لا ينتج إلا جفاءً في السلوك، وقسوةً في القلوب، وانقسامًا في الأمة. ومن تأمل في سيرة النبي ﷺ والصحابة الكرام، يجد أنهم ما كانوا على هذه الشدة ولا على هذا الغلو؛ فقد جمعهم الله بالمحبة، وفتح بينهم أبواب الرحمة، وكانوا يرون الدين حياةً تهذّب النفوس، لا مجرد قوالب جامدة.

إنّنا بحاجة إلى أن نعيد للأمة مركزية المحبة، فهي التي تُصلح النفوس، وتدفع إلى العمل الصالح، وتجمع الكلمة. أما خطاب الوهابية فقد أثبت فشله في تحقيق وحدة المسلمين أو في تقديم صورة حضارية عن الإسلام، بل لم يزد الأمة إلا تفرّقًا وتشددًا.

فلنرجع إلى منهج الوسطية النبوية؛ نأخذ من الدين جوهره قبل مظهره، ونغرس في الأجيال أن الإسلام دين يفتح القلب، لا يغلقه، ويقرّب الأرواح، لا ينفّرها. فالمحبة هي تاج الطريق، والرحمة هي سر الرسالة، ومن فقدهما لم يعرف حقيقة الدين