هل سمعتم بِخُسوف القلب…؟!


بقلم الدكتورة : حنان محمد
( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )

قال ابن القيِّم -رحمه الله-:
“متى رأيت القلب قد ترَحَّلَ عنه حُب الله والاستعداد لِلِقائه وحلَّ فيه حب المخلوق
والرضا بالحياة الدنيا والطمأنينة بها ، فاعلم أنه قد خُسِفَ به.”بدائع الفوائد (٤_٧٤٣)

تخويف الله لعباده بكسوف الشمس أو خسوف القمر يرتبط بأن الكون كله يعمل بنظام محكم، والمؤمن يعتقد جازمًا أن هذا النظام سيختل حتمًا يومًا من الأيام كما أخبر الله بذلك في كتابه الكريم: “فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9).. سورة القيامة، وقال تعالى “اذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ(2) سورة التكوير.

هاتان الآيتان تخويف وإنذار للناس إذا طغوا وبغوا كي يرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، ويراجعوا دينهم وأعمالهم؛ قال الله: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: 59] تخويف وإنذار للناس، فالمسألة ليست مجرد حسابات فلكية وأمور وظواهر طبيعية كما يصورها البعض، يصورونها على أنها أمور عادية وظواهر طبيعية؛ ولذلك اليوم أصبح كثير من المسلمين للأسف الشديد لا يقدرون قدر هذه الآيات العظام، أصبح كثير من المسلمين إما جهلًا منهم أو لسبب آخر يفرحون، ويستبشرون من وجود هذه الآيات، ربما يصعدون إلى قمم الجبال وأعالي التلال؛ كي يشاهدوا هذه الآية بالمناظير والتلسكوبات، فرحين مستبشرين بدون أي عظة وبدون أي اعتبار، وتغافلوا عن المقصد الأساسي والحكمة البالغة من هذه الآية العظيمة التي هي إنذار وتحويف العباد.

ما الواجب على المسلمين إذا وجدوا هذه الآيات؟

الواجب عليهم أن يهرعوا إلى الله سبحانه وتعالى، أن يسرعوا الخطى إلى المساجد، أن يصلوا لله عز وجل، أن يتضرعوا ويبتهلوا بدعاء الله سبحانه وتعالى، وأن يراجعوا دينهم وإيمانهم، وأن يعملوا الصالحات، وأعمال البر والإحسان من نفقات وصدقات وغير ذلك من القربات لله سبحانه وتعالى؛ علَّ الله عز وجل أن يرحمنا، ولا يعذبنا بمعاصينا.

‎أصبح حال كثير من المسلمين اليوم مع هذه الآية لا يمت إلى العظة والعبرة بأي صلة، نعم أقولها وبكل حرقة وألم، كم عشنا من خسوفات! ؟
وكم عشنا من كسوفات! ؟
كم صلينا هذه الصلاة! ومع ذلك لا نتَّعظ، ولا نعتبر؛ بل نعود إلى لهونا، وغفلتنا.

 
لنسأل أنفسنا: كم كسفت الشمس، وخسفت القمر على عهدنا! وكم كسفت الشمس وخسف القمر على عهد رسول الله! لم تخسف القمر في عهد رسول الله، وإنما كسفت الشمس مرة واحدة في عهد رسول الله، فخرج الرسول وخرج الصحابة يدعون الله، ويبكون خوفًا من الله سبحانه وتعالى، واليوم خسوف يأتي، وخسوف يذهب، وكسوف يأتي، وكسوف يذهب؛ ولا أحد يُحرِّك ساكنًا، ولا يتغيَّر شيء في قلب كثير من الناس، وكأن الأمر أصبح طبيعيًّا!

أتعرفون لماذا كثرت الخسوفات، والكسوفات؟

ربما كانت كثرتها دليلًا على غضب الله ومقته،

معنى ذلك: أن الأمة ابتعدت عن دين الله، وغرقت في الذنوب، والمعاصي، والآثام، وذلك إنذار بعد إنذار، وتخويف بعد تخويف من الله سبحانه وتعالى، كثرت الذنوب والمعاصي والآثام وانتشرت، وهي سبب الخسوف والكسوف؛ لذلك كان من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة أن قال: ((أيها الناس، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا))[2]، فالله عز وجل يغار إذا انتهكت حرماته، وارتكبت معاصيه،
واخيراً انصح نفسى واياكم

كفانا تفريط، كفانا معاصٍ، كفانا ذنوب، أفلا نتَّعظ بمثل هذه الآيات، أفلا نعتبر من آيات الله.