تذكير بصلاة خسوف القمر

بقلم الدكتور : أيمن حمدي الحداد

الحمد لله العظيم الذى عجزت عن الإحاطة بملكوته الأفهام ومحى بنوره الضلالة والظلام والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد أعلنت مصادر فلكية عديدة عن حدوث خسوف كلي للقمر يوم الأحد السابع من سبتمبر ٢٠٢٥ ميلادياً.

ويُعرف هذا الخسوف باسم ((القمر الدموى)) بسبب لونه الأحمر الداكن.

حيث سيتحول القمر للون الأحمر من الساعة 8:30 ل 9:15 مساءً بتوقيت القاهرة.

موعد صلاة الخسوف؛ بعد صلاة العشاء مباشرة إن شاء الله تعالى تقريبًا حوالي 8:30 مساءً.

القمر الأحمر، أو ما يعرف ((بقمر الدم))، هو ظاهرة تحدث خلال خسوف القمر الكلي عندما يمر القمر في ظل الأرض، مما يؤدي إلى انكسار ضوء الشمس عبر الغلاف الجوي للأرض وتصفية الضوء الأزرق، بينما يسمح للضوء الأحمر بالمرور والوصول إلى سطح القمر، فيمنحه لونًا أحمر أو نحاسيًا.

– وإن المتأمل في الكون والمتفكر في بديع صنع الله عزّوجل ليدرك عظمة الخالق جل وعلا وقدرته في خلق الليل والنهار والشمس القمر؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾( فاطر: ١٣)،
– لقد كان سيدنا رسول الله ﷺ أكثر الخلق تجاوباً وتفاعلاً مع الآيات الكونية، ومن المواقف الدالة على ذلك من سيرته العطرة؛

– تفاعله ﷺ مع الريح والرعد والبرق فقد تأتي بالخير؛ قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ﴾(فاطر: ٩)، وقد تأتي كذلك بالعذاب؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾(القمر: ١٩)، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «كان النّبيّ ﷺ إذا عصفت الرّيح قال: «اللهمّ إنيّ أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به»، قالت: «وإذا تخيّلت السّماء – ظهر فيها سحابة فيها رعد وبرق- تغيّر لونه وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه»، قالت عائشة: فسألته فقال: «لعلّه يا عائشة كما قال قوم عاد: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾(الأحقاف: ٢٤)،

– وكذلك فإن سيدنا رسول الله ﷺ كان يتفاعل مع كسوف الشمس وخسوف القمر بالصلاة – صلاة الخسوف والكسوف – خوفاً من الله عز وجل وتقرباً إليه سبحانه، ولما كسفت الشمس على عهده ﷺ خرج إلى المسجد مُسرعاً فَزِعاً يجرُّ رداءَه، وأخبرأصحابه عليهم رضوان الله أنَّ الكسوف آية من آيات الله، يخوِّفُ اللهُ به عبادَه، وأمرهم بالصلاة عند حصوله، والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق وغير ذلك من الأعمال الصالحة، حتى ينكشف ما بالناس.

– لقد كان الناس في الجاهلية يعتقدون أنَّ الكسوف أو الخسوف إنما يحصل عند ولادة عظيم أو موت عظيم، فأبطل الإسلام ذلك الاعتقاد، وبيَّن سيدنا رسول الله ﷺ الحكمة الإلهية من حدوث الكسوف والخسوف؛ فعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوِّف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» رواه مسلم.
– إن الشمس والقمر مخلوقان يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما من المخلوقات، ليبين الله عزّوجل لعباده قدرته التامة، واستحقاقه وحده للعبادة؛ قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾(فصلت: ٣٧)،

– والآيات نوعان؛ آيات شرعية، وآيات كونية؛ فمن الآيات القدرية ما يحدثه سبحانه في الكون، كانشقاق القمر، وهبوب الرياح التي أرسلها الله عز وجل على الأحزاب، وكذلك نزول المطر وامتناعه فكلها آيات كونية.

وأما آيات الله الشرعية فهي الوحي فمن الناس له قلب حي سليم، تكفيه آيات الله الشرعية ومنهم مَن لا يكفيه ذلك فيرسل لهم عز وجل آياته الكونية؛ قال تعالى: ﴿وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلَّا تَخويفًا﴾(الإسراء: ٥٩)،

– قال العلامة السيوطي رحمه الله: عن قتادة رضي الله عنه: إن الله يخوِّف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، والكون يغَارُ أن يقعَ فيه مخالفة لأمرِ خالقه، وإنه ليتحمَّل من العاصين عبئًا وثقلاً، ومِن ثَمَّ فهو يعبِّر عن هذا بقُدرة الله بالتغيُّر، فتبكي السماء والأرض على المؤمنين والصالحين، ولا تبكي على غيرهم.

وعن أبي قَتادة رضي الله عنه أنه كان يحدِّث أنَّ رسول الله ﷺ مرَّ عليه بجنازة، فقال: «مُستريح، ومُستَراح منه قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمسترَاح منه؟ قال: «العبد المؤمن يَستريح من نَصَب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العبادُ والبلاد، والشجر والدوابُّ» أخرجه الشيخان.

فاتقوا الله ربَّكم، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وقدِّموا من الأعمال الصالحة ما ترضونه – تعالى – به وتستعتبونه، فإنه لا حياة طيبة، ولا أمْن ولا اطمئنان إلاَّ بتمام الخضوع لله عزّوجل؛ قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(يونس: ٥- ١٠)،

– الأحكام المتعلقة بصلاة الخسوف؛
– عددها «ركعتان»، في كل ركعة: قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان.
– ويُسن الخروجُ لأدائها في جماعة، بلا أذان ولا إقامة، بل ينادى لها: «الصلاة جامعة».
– ويندب بعدها أن يخطب الإمام، ويعظ الناس، ويذكرهم بالرجوع إلى الله تعالى. ويستحب مع ذلك أيضا: الإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء.
– صلاة الكسوف والخسوف سنة مؤكدة
– وقت الصلاة من ابتداء الكسوف أو الخسوف إِلى نهايته.
– ويتم المصلي صلاته حتى لو ذهب الخسوف أو الكسوف، ولا تعاد الصلاة لو انتهى منها ولم يذهب الخسوف أو الكسوف بل يستمر المسلمون في الدعاء والاستغفار.
– لا تُقضى الصلاة إذا لم يُعلم بالخسوف أو الكسوف إِلا بعد ذهابهما.
– إِدراك الركعة في صلاة الكسوف يكون بإِدراك الركوع الأول، فمن فاته الركوع الأول وأدرك الثاني فقد فاتته الركعة، وعليه أن يقضيها بعد سلام الإِمام على صفتها.
– تصلى صلاة الكسوف حتى في أوقات النهي.
– أن تصلى في جماعة، وإِن صُليت فرادى فلا بأس.
– أن تكون في المسجد، ولا مانع من خروج النساء لها.
– التطويل في الصلاة، بقيامها وركوعها وسجودها، إِلا إِذا انجلى الكسوف أو الخسوف فيتمها خفيفة.
– أن الركعة الثانية أقصر من الأولى بقيامها وركوعها وسجودها.
– الموعظة بعدها، وتذكير الناس بقدرة الله، وبيان حكمة الكسوف، والحث على فعل الطاعات وترك المنكرات.
– كثرة الدعاء والتضرع والاستغفار والصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة؛ حتى يكشف الله ما بالناس.
– يجوز رفع اليدين في الدعاء في الكسوف؛ لحديث عبد الرحمن بن سمرة رضى الله عنه قال: «فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع يديه» رواه مسلم.

– إن استشعار عظمة الله تبعث فى النفس معانى الثبات والعزة وتقوى العزائم فى حال الضنك والشدة وهذا ما كان يربى عليه سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «يطوى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟» رواه مسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين