( ما هو دور الشيخ المربّي في معالجة النفس لدى المريد وتهذيبها؟ ) حوار خاص مع الدكتور فارس أبو حبيب
26 أغسطس، 2025
منهج الصوفية

فى هذا اللقاء نستكمل سلسلة ( عدة المريد فى السير إلى الله)
ونستكمل حوارنا اليوم
مع الدكتور : فارس أبو حبيب ( إمام ومدرس وخطيب بوزارة الأوقاف )
س43: ما هو دور الشيخ المربّي في معالجة النفس لدى المريد وتهذيبها؟
الشيخ المربّي هو الركن الأهم في طريق السلوك إلى الله، ولا تُبنى تربية المريد ولا تُهذَّب نفسه إلا به، لأنه المرآة التي يرى بها عيوب نفسه، والمصباح الذي يُنير له طريق المجاهدة، والخبير بأمراض القلوب ومزالق النفوس.
وقد أجمع أئمة التصوف على أن الطريق بلا شيخ طريق إلى التهلكة، لأن النفس خفية المكر، كثيرة التزيين، لا تُكتشف حقيقتها إلا على يد من فتح الله عليه بفراسة الصالحين، وعلم التربية، وخبرة الطريق.
أولًا: أدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف
قال الله تعالى: {واتبع سبيل من أناب إليَّ} [لقمان: 15]، وهذا دليل على ضرورة الاقتداء بمن سبق في طريق الإنابة.
وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43]، وأهل الذكر يشملون العلماء الربانيين، وشيوخ التربية.
قال الإمام الشافعي:
“صحبة أهل الخير تُعين على الخير، حتى ولو كنت منهم في نقص، فإنك تُلحق بالركب”.
“سير أعلام النبلاء”، ج10، صـ41.
وقال الإمام أبو القاسم القُشيري:
“من لم يكن له شيخ، فشيخه الشيطان”
“الرسالة القشيرية”، صـ97.
ثانيًا: وظائف الشيخ المربّي في تهذيب النفس:
1- تشخيص أمراض النفس:
يعرّف المريد بعيوبه الخفية، كالعُجب والرياء والكسل وحب الجاه.
2- وضع برنامج المجاهدة الخاص بالمريد:
كأن يكلّفه بالصمت، أو الخدمة، أو الذكر، أو الصيام، حسب حاله.
3- المراقبة والتقويم:
يتابع المريد، يُقوّم أخطاءه، يردّه إذا انحرف، ويشجّعه إذا صدق.
4- التدرّج في التربية:
لا يُحمّله ما لا يُطيق، بل يُربّيه على مقامات الطريق درجة درجة.
5- غرس المحبة والخشية والصدق في القلب:
وهنا يتجلى الجانب الروحي العميق للشيخ، إذ يُربّي القلب لا الجوارح فقط.
6- الدعاء له، والشفقة عليه، ومعاملته بالرحمة لا بالجفاء:
كما كان النبي ﷺ يربي الصحابة، برحمة تُلين القلوب، لا بعنف يُنفر النفوس.
ثالثًا: صفات الشيخ المربّي كما ذكرها أهل التصوف؛
قال الإمام عبد الوهاب الشعراني في “الأنوار القدسية”:
“الشيخ المربّي لا بد أن يكون:
عارفًا بالله.
خبيرًا بطبائع النفوس.
متمكنًا في العلم الشرعي.
محبًّا للخلق، صبورًا عليهم.
صادقًا، مستقيمًا، متواضعًا، لا يطلب دنيا ولا جاه”.
“الأنوار القدسية”، صـ92.
وقال الإمام السهروردي:
“الشيخ مرآة، والسالك مريض، والطريق علاج، وليس يُعالَج المريض بغير طبيب”. “عوارف المعارف”، صـ145.
رابعًا: منهج الصحبة في التربية:
النبي ﷺ نفسه كان شيخ المربّين، وكان يُربّي أصحابه بالتدرّج، والمخالطة، والمراقبة.
وكذلك الصحابة مع التابعين، والتابعون مع من بعدهم، ثم مشايخ الطرق الذين ورثوا هذا المنهج النبوي في التربية.
الخلاصة:
الشيخ المربّي ليس مجرد معلم، بل هو مرشد، مربي، طبيب قلوب، وصاحب حالٍ قبل أن يكون صاحب مقال.
وبدونه يكون المريد عرضة للتخبط، والتزيين، والاغترار، أو التكلّف والتشدد.
فكما أن الطبيب لا يُستغنى عنه لعلاج البدن، فإن الشيخ المربّي لا يُستغنى عنه لعلاج النفس، وهذه قاعدة عظيمة في التصوف، بُني عليها سلوك السالكين، وتزكية السائرين