“الوهابية والدجال، جيش التجسيم والتكفير في آخر الزمان بين فتنة الانحراف ونصرة التنزيه”
20 أغسطس، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام

بقلم / محمد نجيب نبهان
كاتب وباحث وناقد فني وتاريخي
لم يكن التحذير النبوي الشريف من المسيح الدجال تحذيرًا عابرًا ولا إشارة عابرة في صفحات التاريخ. بل هو تحذير متكرر، أُلزم به المسلم في صلاته اليومية حين أُمر أن يستعيذ بالله من فتنة الدجال في كل ركعة من دعاء التشهد. وهذا وحده كافٍ ليُدرك المسلم أن هذه الفتنة ليست كسائر الفتن، وأنها الخاتمة الأخطر لمسار الانحرافات التي عرفتها البشرية منذ خلق آدم إلى قيام الساعة.
وليس صدفة أن نجد اليوم في واقعنا ما يُهيئ لهذه الفتنة من مناخات فكرية وعقائدية، في مقدمتها الوهابية بما حملته من تشويه لمعنى الألوهية، وتجسيم لله سبحانه وتعالى، وتشبيه للخالق بالمخلوقات، وتكفير للمسلمين، وسفك لدمائهم. هذه المنظومة ليست إلا القاعدة العقدية والنفسية التي تجعل الوهابية الجيش الأكثر أهلية لاتباع الدجال.
التجسيم الوهابي، تحطيم الغيب وتمهيد الطريق للدجال
الوهابية منذ ولادتها في صحراء نجد جعلت همها الأكبر أن تُسقط التنزيه القرآني العظيم ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] إلى هاوية التشبيه، فقالوا: لله يد حقيقية كالأيدي، وله رجل حقيقية كالأرجل، وله وجه وجبهة وعينان، وهو جالس على العرش جلوسًا حقيقيًا كجلوس البشر على الكرسي.
بهذا التفسير السطحي الساذج، لم يعودوا قادرين على إدراك أن الله منزّه عن الزمان والمكان، متعالٍ عن الحدود والجوارح. فصار الإله في تصورهم شبيهًا بمخلوق عظيم يجلس ويقوم، يضحك ويغضب، ينزل ويصعد. فإذا خرج الدجال بقدرات خارقة، ورآه الناس يتحرك ويسمعون صوته ويشاهدون أفعاله، فإن أتباع هذه العقيدة لن يجدوا فرقًا بين ما توهموه عن الله وما يشاهدونه في الدجال. وهكذا يكونون أول من يركض خلفه، وأول من يهتف باسمه.
التكفير الوهابي، الإقصاء الدموي صورة مصغرة لفتنة الدجال
النبي صلى الله عليه وسلم وصف الدجال بأنه يقسم الناس قسمين: من صدّقه أُغدقت عليهم النعم، ومن كذّبه حُرموا وأهلكوا. وهذه الفكرة نفسها نراها في الوهابية: من آمن بمنهجهم فهو الناجي الموحد، ومن خالفهم فهو مشرك كافر، دمه مباح وماله غنيمة.
لقد نفذوا هذا الفكر عمليًا في الطائف، وفي كربلاء، وفي الأحساء، حيث قتلوا المسلمين وهدموا المساجد والقباب، وسموا ذلك “جهادًا”. فكانوا على الحقيقة صورة مصغرة لجيش الدجال قبل ظهوره. الدجال سيُكفر الناس إن لم يؤمنوا به، والوهابية كفّروا الأمة كلها إن لم تدخل في حظيرتهم. هذا التماثل بين العقيدتين ليس مجرد صدفة، بل هو دليل أن الوهابية هي الإعداد العقدي لجيش الدجال.
الربيع العربي، التدريب الميداني لجيش الفتنة
حين اشتعلت الثورات العربية، كان الجميع يرجو الحرية والكرامة. لكن الوهابية رأوا في الفوضى فرصتهم الذهبية. فخرجت جماعاتهم المسلحة من كل مكان، تموّلها البترودولارات، وترعاها أجهزة الاستخبارات، لتزرع الموت والدمار تحت رايات “لا إله إلا الله”. فامتلأت الشوارع بالدماء، وامتلأت الدنيا برائحة التكفير والذبح.
لقد كان ذلك “بروفة” أو تدريبًا عامًا لما سيفعله جيش الدجال يوم يخرج: رايات سوداء، ذبح باسم الدين، تكفير للأمة، إقصاء للآخر، وإرهاب شامل. ولو لم ندرك أن هذه كلها مقدمات، لكان علينا أن نعيد قراءة السنن بعين العارف.
البعد النفسي، عقلية الأبيض والأسود
من منظور علم النفس، عقلية الوهابي عقلية هشّة؛ لأنه لا يعرف إلا خيارين: نحن الحق المطلق والآخرون باطل مطلق. هذه الثنائية تُعطل التفكير النقدي، وتُسقط القدرة على التمييز. فإذا ظهر الدجال، شخصية كاريزمية بخوارق ظاهرية، فإن هذا العقل الثنائي لن يعرف سوى خيار واحد: التسليم.
أما أهل التنزيه فقد تعوّدوا على التفكير المركب، وعلى التسليم أن الله لا يُرى بالعين ولا يُدرك بالحواس، وأنه سبحانه متعالٍ عن الحدود. هؤلاء لن تخدعهم أي دعوى بشرية مهما عظمت.
الأشاعرة والماتريدية، أهل التنزيه والنجاة من فتنة الدجال
هنا يجب أن نفرد القول. إن أهل السنة والجماعة – أعني الأشاعرة والماتريدية – هم الذين حملوا راية التنزيه قرونًا طويلة. قالوا: الله سبحانه وتعالى لا يشبه المخلوقات، لا تحويه الجهات، ولا يحده زمان، ولا يتغير ولا يتبدل. ليس جسمًا ولا عرضًا، ولا يعتريه ما يعتري الأجسام من قيام وجلوس وانتقال وحركة.
هؤلاء هم الذين صدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة». وهي الجماعة التي فهمت حقيقة التنزيه وحافظت عليها. وقد أجمعت الأمة أن غالب علمائها عبر القرون كانوا على المذهب الأشعري أو الماتريدي: من إمام الحرمين الجويني، إلى الغزالي، إلى الفخر الرازي، إلى النسفي، إلى البيضاوي، إلى السيوطي، إلى العز بن عبدالسلام، إلى النووي، إلى ابن حجر. هؤلاء هم من حموا عقيدة الأمة من التجسيم والتشبيه.
ولهذا السبب بالذات، فإن هؤلاء لن يفتتنوا بالدجال. لأنه مهما خرج بخوارق، فهم يعلمون أن الله لا يُرى ولا يتجسد، وأن أي بشر يدّعي الألوهية كاذب بالضرورة. بل سيكونون في طليعة جيش المهدي وعيسى بن مريم عليه السلام، كما بشّر النبي صلى الله عليه وسلم، يقاتلون الدجال وجيشه حتى ينكسر الباطل وينتصر الحق.
البعد السياسي: الوهابية كوظيفة استعمارية
من زاوية السياسة، الوهابية وُلدت في حضن الاستعمار البريطاني، وتحالفت مع آل سعود لتقسيم العالم الإسلامي، وهدم الخلافة، وتسليم فلسطين. واليوم لا تزال تلعب الدور نفسه، لكنها تحت مظلة صهيونية أمريكية. وهنا نفهم أن مشروع الوهابية ليس مشروعًا دينيًا بريئًا، بل هو مشروع وظيفي، أُعد ليكون الذراع العقائدية لجيش الدجال العالمي.
الأدلة الشرعية على قرب الفتنة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها لم تكن فتنة منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال» [مسلم]. وقال: «يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر» [الترمذي]. هذه النصوص ليست حبرًا على ورق، بل وصفًا دقيقًا لزمننا. فقد انتشرت الوهابية في كل مكان، وأصبحت الفتنة تحاصر المسلم حتى في صلاته ومسجده.
إنها السنن الإلهية تتهيأ، والجيش الدجالي يتكوّن، ورايته العقائدية الوهابية ترفع نفسها عاليًا. أما جيش الحق، فهو جيش التنزيه، جيش أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية، الذين سيجتمعون مع المسيح عيسى والمهدي ليقضوا على هذه الفتنة الكبرى.
الوهابية ليست مجرد مذهب متشدد، بل هي جيش الدجال قبل أن يخرج الدجال. عقيدتهم في التجسيم جعلتهم مستعدين لتصديق أي مدعٍ للألوهية يُرى بالعين ويُسمع بالصوت. ومنهجهم في التكفير والإقصاء جعلهم يتقنون أسلوب الدجال في تقسيم الناس إلى أتباع ناجين وأعداء هالكين. أما أهل التنزيه – الأشاعرة والماتريدية – فهم الذين حفظوا العقيدة، وهم الذين لن ينخدعوا، بل سيكونون جيش المهدي والمسيح، جيش العاقبة والنصر.
وإذا كان التاريخ كله يتجه نحو هذه اللحظة، فإن أوضح ما يمكن أن نراه اليوم أن انتشار الوهابية ليس إلا إشارة على أن زمن الدجال قد اقترب، وأن الأمة أمام امتحانها الأكبر. والحق أن من أراد النجاة، فلا ملاذ له إلا بالرجوع إلى عقيدة التنزيه، عقيدة أهل السنة والجماعة، ليثبت حين يخرج الدجال، فلا يُفتن، ويكون مع جيش الله ضد جيش الشيطان.