( مفهوم المريد وصفاته عند السادة الصوفية ) حوار خاص مع الشيخ محمد رجب أبو تليح

 

المريد عند الصوفية هو السالك طريق الله، الذي أخلص قلبه لطلب القرب، وترك إرادته لهوى نفسه، وخضع لتربية روحية تُهذّب ظاهره وباطنه. ولأجل رفعة هذا المقام، بيّن مشايخ التصوف حقيقته وصفاته وابتلاءاته، حتى يكون المريد على بصيرة في سيره إلى الله تعالى

ونستكمل فى هذا اللقاء السلسلة المباركة : عدة المريد فى السير ألى الله ولقاءنا فى هذا المقال مع الشيخ محمد رجب أبو تليح عضو إدارة الفتوى بوزارة الأوقاف 

س :من هو المريد عند الصوفية؟

الجواب :
المريد في عرف الصوفية هو مصطلح ذو أبعاد روحية عميقة، يتجاوز مجرد كونه محبًا للتصوف أو طارحًا لفكرة مجردة عن السلوك الروحي. بل هو: الذي ذاب قلبه في حب الحق جل شأنه، وتنور قلبه بنور الله، وترك كل شيء سوى الله، و يسلك سلوكًا مخصوصًا في طريق المعرفة والمحبة لله، ويخضع لتربية مشايخه الروحية.

معنى لفظ : المريد في اللغة والإصلاح:

المريد في اللغة هو من يُريد شيئًا، لكن في التصوف له معنى خاص، هو: الإنسان المتجرد عن إرادته الشخصية، المنقطع إلى الله، المؤمن بجلال الربوبية وحقوقها، العاكف على محبته وتذلله له، لا يطلب إلا وجهه الكريم ويريد قربه، وكأن قلبه مات عما سواه، فتارةً يُقال: المريد هو المحب والسالك المجذوب الحق جل جلاله، وتارةً هو المقتدي بالشيخ المؤهل الذي نور الله عينه بالبصيرة والهداية .

س: هل كل محب للتصوف يُسمى مريدًا؟

الجواب :
ليس كل محب للتصوف مريدًا، لأن المريد حالة روحية وعملية خاصة، فالمريد هو الذي بذل نفسه في معرفته لله وتربيته، وقطع شهواته، والتزم بطريق التصوف بمحبة خالصة وإخلاص، وأخذ بالمشيئة الإلهية، ويخضع لطريقة معينة بإرادة لله سبحانه، يتبع فيها شيخًا ينهل منه العلم والسر. أما المحب للتصوف عامة فقد يكون شغوفًا به أو حريصًا على تعاليمه، لكنه لم يصل بعد لمرحلة المريد الإيجابي المجاهد . في سبيل الوصول إلى الله سبحانه.

س : ماهى أهم صفات المريد الهامة في طريق القوم ؟

الجواب :
المريد الحق يتحلى بصفات جليلة منها:

– الخضوع التام للشيخ، وتعظيمه واحترامه ظاهراً وباطناً، كما لو كان ميتًا ينتظر الغُسل.

– التزام الصبر والثبات على الطريق، وكبت النفس، والرضا بما يأتيه من الابتلاءات.

– علو الهمة، وحسن الخدمة، بمساعدة شيخ الطريق وأتباعه، وتعظيم السنن والأدب مع الله ومع أهل الطريق.

– التقدم في المعرفة الروحية والإرادة المخلصة التي لا تبغي شيئا سوى الله.

– الإخلاص والأنس بالخلوة، والحياء من نظر الله تعالى، والاجتهاد في الورد والذكر.

س: ماهى الابتلاءات والمشاق في بداية السلوك ؟

الجواب :
إن المريد في بداياته يتعرض لما قد يبدو له من ابتلاءات وصعوبات صارت عند الصوفية معروفة، ومن أمثلتها:

– فقدان الحلاوة في الذكر، والشعور بالفتور والكسل عن مواصلة السير.

– كثرة المحن النفسية وامتحانات القلق والوسواس.

– الشك في مسار الطريق والتردد في استمراره.

– مواجهة انكشاف النفوس أمام الله، وقد يتعرض لأوجاع قلبية أو نفسية تجعله يتساءل عن صدقه وإخلاصه.

وهذه الابتلاءات ليست دلالة على عدم صدق المريد، بل هي كما قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة: 155]، وهي من علامات الامتحان والطهارة الروحية، قال النبي ﷺ: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير» (صحيح مسلم). فالمشاق إنما هي سبيل للتنقية والتزكية ورفع درجات القلب، وتهذيب النفس وتطهيرها من العلائق والعوائق، وهي التي تكشف صدق المريد من ادعائه .

– الفتور ونقص الهمة:

هو أمر شائع قد يعترض المريد وخصوصًا في بداية مسيره، وليس دليلا على ضعف إيمانه أو فشله، بل هو اختبار يمرُّ به ليزداد يقينًا وصبرًا، كما أن النفس بطبعها تميل للراحة والملل، و علاج ذلك بالعزم الصادق، والاستعانة بالله تعالى، وإحياء القلب بالذكر ومناجاة الله، وعدم الانصراف عن الورد، والتزام مجالسة العلماء والأخيار من أهل الذكر .

– نصائح للمريد

– اصبر على الابتلاء، واعلم أنه طريق التطهير، وإن كان القلق يزحف على قلبك فاعلم أن الله قريب مجيب.

– لا تترك الذكر والورد، حاول تجديد نيتك وتجديد لُبَّك بأن تعمر قلبك بمحبة الله.

– أحط نفسك بأشخاص صالحين ومشايخ تصلح همتك وتعيدك لطريق القرب.

– تذكر دائمًا النبي ﷺ وعظمه وأحبه بكل كيانك والتزم مع جنابه الأعظم كامل الأدب ظاهرا وباطنا وقولا وفعلا واقتداء بحضرته.

– استعن بالقرآن الكريم، فإن جلَّ ما فيه من نصح وطمأنينة، وذكر فهو الصراط المستقيم .

– التزم الآداب التي يجب على سالك طريق التصوف الالتزام بها وإياك والغرور والعجب بالنفس فهذه سبل الهلاك.

– إخلاص النية لله في جميع الأعمال.

– الخضوع والاحترام للشيخ والالتزام بأوامره حتى وإن كانت فوق الفهم الظاهري.، فهو دليلك على الله والآخذ بيدك إلى صراطه المستقيم.

– الصبر والاحتساب في مواجهة المشاق.

– الابتعاد عن الرياء والسمعة، وأن تكون الأفعال سرية مع الله قبل الناس.

– اجتناب اللغو وفضول الكلام.

– تعظيم الحرمات وقراءة الأذكار والأدعية والأوراد والمحافظة عليها .

– التماس مجالس العلم النافع وتجديدالنيةبالقلب ودوام الذكر.

– مراعاة الأدب في المجلس والحديث والسلوك مع الناس جميعًا .

هكذا كان المريد هو المجاهد في سبيل الله، الواقف بين يدي ربه كالميت، يودع كل ملذات الدنيا ويبذل الجهد في طلب رضا الله، سائراً في طريق التصوف بحق، لا يجحد ولا يمل، ولا يملأ قلبه إلا نور الله، حتى يبلغ مقام الإحسان، فإن كان الابتلاءُ في بداية الطريق فهو امتحان الصدق، ونور معرفة الذات، لأن الصوفية العارفين جمعوا بين ما ورد في القرآن والسنة، وبين حكمة الأولياء.

فيا مريدَ القلوبِ، لا تيأسْ إن اشتدت الابتلاءات، فربك أرحمُ بك من نفسك، واعلمُ بقلبك أن من أقرب الأقربين، من لزم آداب الطريق وتذكر أن السير على درب التصوف، بحلوه ومره، هو سبيل السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

وكما قال مولانا الشيخ عمران أحمد عمران رضي الله عنه:

فسر بالشرع والتقوى مجدا *** تنل بالشرع والتقوى المراما

فريق القوم آداب وسير *** فشمر العلا ودع المناما

فشمر ساعد الجد وأحيي *** بذكر الله في الليل الظلام

وآداب الرجال فلا تخالف *** فقد بلغ الرجال بها الم

يتبع …..